الثقة ليست كلمة من خمسة حروف فحسب، بل هي جسر من ذهب تبنيه أعوام، وقد يهدمه موقف واحد، هي العملة التي لا تصدأ، والرصيد الذي لا يُودع في البنوك بل في القلوب، هي العقد غير المكتوب بينك وبين من حولك، كلما أوفيت بشروطه ازدهر، وكلما خنت بنوده انهار.
أن يثق فيك أحدهم، يعني أنه منحك شيئًا لا يُشترى ولا يُطلب، بل يُكتسب، أن تظل محل ثقته، يعني أنك مطالب كل يوم بدفع ضريبة الصدق والوضوح والاتساق، فالناس لا يطلبون الكمال، بل يطلبون الثبات، لا ينتظرون أن تكون بلا عيوب، بل أن تكون بلا أقنعة.
الثقة لا تولد من وعد براق، بل من فعل بسيط متكرر، أن تقول ما تعنيه، وتفعل ما تقول، أن تبقى على موقفك حين تتقلب المواقف، وأن تحمي غيابك كما تحسن حضورك، فالثقة ليست أن تكون دائمًا هناك، بل أن تكون كما أنت حين تكون.
كيف تخلق ثقة غير مهتزة؟ اجعل الوضوح مبدأ، والصدق عادة، والاحترام أسلوب حياة، لا تخن صغير الأمور، فإنها التي تهز كبارها، لا تعد بما لا تستطيع، ولا تخفِ ما قد يُكشف، ولا تقل ما لا تفعل، كن صريحًا، حتى وإن جرحت، فالجرح الصادق أهون من ضمادة كاذبة.
الثقة ليست فقط علاقة بين فردين، بل هي نسيج المجتمع كله، حين يثق الناس ببعضهم، تنمو المحبة ويُثمر التعاون وتزدهر الحياة، المجتمعات لا تنهار من الحروب وحدها، بل حين يتسلل الشك إلى قلوب أبنائها، وإذا غابت الثقة، فكل ما بعدها هش، ولو بدا صلبًا.
حافظ على ثقة من وثق بك، فربما كانت أثمن ما أُعطي لك، ولا تطلبها ممن خذلته، فالثقة لا تُجبر، بل تُكسر كالكؤوس، تُصلح لكن لا تعود كما كانت، وإن اضطررت يومًا أن تختار بين أن تكون محبوبًا أو موثوقًا، فاختر أن تكون الثقة ذاتها، تمشي على قدمين.