تشهد القارة الأوروبية موجة غير مسبوقة من التحركات السياسية والشعبية ضد إسرائيل، مع تزايد الضغوط الرسمية والعمالية والشعبية لوقف التعاون العسكري والتجارى معها، فبينما شددت إسبانيا عقوباتها بحظر استخدام القواعد العسكرية ووقف تجارة السلاح، صعد عمال الموانئ في إيطاليا تهديداتهم بفرض حظر شامل على حركة التجارة، في وقت تتواصل فيه المظاهرات في الشوارع رفضًا للمجازر الإسرائيلية في غزة.
مدريد في صدارة التصعيد
وأعلنت الحكومة الإسبانية برئاسة بيدرو سانشيز عن سلسلة قرارات اعتبرت الأكثر جرأة فى أوروبا حتى الآن ، فقد نص المرسوم-القانون 10/2025 على منع استخدام القواعد الجوية في مورون (إشبيلية) وروتا (قادش) من قِبل الطائرات الأمريكية المرتبطة بعمليات تزويد إسرائيل بالوقود أو المعدات، في خطوة غير مسبوقة تجاه واشنطن وتل أبيب.
كما شمل المرسوم وقف جميع صادرات واستيراد الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى إسرائيل، سواء عبر المنصات التجارية أو العسكرية، وأكدت نائبة رئيس الحكومة ووزيرة المالية، ماريا خيسوس مونتيرو، أن القرار "صارم وواضح، وينطبق على كل ما يخرج أو يدخل من الأراضي الإسبانية بلا استثناء".
إضافة إلى ذلك، أعلنت مدريد حظر دخول منتجات المستوطنات الإسرائيلية إلى السوق الإسبانية، وقيدت التعاون الأكاديمي والعلمي مع المؤسسات المتورطة في دعم الاحتلال. كما جمدت بعض الاتفاقيات التجارية الثنائية، وأُطلقت مراجعة شاملة للأنشطة المشتركة في قطاعات التكنولوجيا والدفاع.
تؤكد الحكومة أن هذه الخطوات تأتي انسجامًا مع القانون الدولي وموقف إسبانيا التاريخي الداعم لحل الدولتين، لكن المراقبين يرون أنها تشكل أيضًا رسالة سياسية قوية، سواء للداخل الإسباني حيث يتنامى التضامن مع غزة، أو للاتحاد الأوروبي الذي يواجه ضغوطًا متزايدة لاتخاذ مواقف مماثلة.
الموانئ الإيطالية تتحرك
فى السياق نفسه ، يتصاعد الحراك العمالي والشعبي في إيطاليا، لا سيما داخل الموانئ الكبرى. فقد شهد ميناء جنوة مؤخرًا احتجاجات واسعة دعا خلالها العمال إلى وقف أي شحنات متجهة إلى إسرائيل، قبل أن ينضم إليهم بحارة وعمال من موانئ أوروبية أخرى لعقد مشاورات حول تنسيق خطوات أوسع.
وقال القيادي النقابي ريكاردو رودينو من تجمع عمال جنوة (CALP) إن لعمال الموانئ تاريخًا طويلاً في منع مرور الأسلحة، مشيرًا إلى أن "ما بدا مستحيلاً مع جنوب إفريقيا أصبح ممكنًا حين فُرض الحظر الكامل، وهو ما ساعد في إطلاق سراح مانديلا". وأضاف: "ليس لدينا دبابات ولا صواريخ، لكن يمكننا عرقلة الشحنات، وأحيانًا بأجسادنا. هذا هو سلاحنا الوحيد".
وأوضحت صحيفة المساجيرو الإيطالية أوضحت أن الاحتجاجات امتدت إلى موانئ ليفورنو والبندقية، حيث نُظمت وقفات رمزية لمنع شحن أسلحة ومعدات عسكرية على متن سفن متجهة إلى إسرائيل، والهدف المعلن من هذه التحركات هو الضغط على الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني لاتخاذ موقف أكثر صرامة ، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
البعد السياسي والرمزي
وتحول الملف الفلسطيني إلى محور رئيسي في الحملات الانتخابية الإقليمية التي انطلقت في إيطاليا مؤخرًا، ما زاد من الضغوط على الحكومة. وازدادت رمزية الموقف مع قرار السلطات الإيطالية منع فريق دراجات إسرائيلي من المشاركة في سباق دولي بدعوى "أسباب أمنية"، في خطوة أثارت استياء الجانب الإسرائيلي لكنها لاقت صدى إيجابيًا بين قطاعات واسعة من الرأي العام.
ويرى الخبراء أن استمرار هذه الضغوط قد يدفع الاتحاد الأوروبى في النهاية إلى تبني سياسات أكثر تناغمًا مع المزاج الشعبى، خاصة في حال توسع دائرة الدول التي تتبنى مواقف مشابهة لإسبانيا، أو إذا نجح الحراك العمالي في إيطاليا بفرض وقائع جديدة على الأرض.