أثار إعلان البيت الأبيض عن خطة ترامب للسلام فى قطاع غزة وإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين ردود فعل واسعة فى كافة أنحاء العالم وسط ترحيب شبه تام بالبنود الورادة فى الخطة، فى انتظار رد حركة حماس عليها، والذى سيكون حاسماً للغاية فى تنفيذها أو تبديدها تماماً.
وتم الكشف عن بنود الخطة التى جرى إعدادها سراً على مدار الأسابيع القليلة الماضية أثناء اجتماع ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فى البيت الأبيض. وكان من أهم بنودها أن تقوم حركة حماس بإطلاق سراح جميع الرهائن خلال 72 ساعة مقابل أن تفرج إسرائيل عن 250 فلسطينيا يقضون أحكاماً بالمؤبد فى سجونها و1700 ممن اعتقلتهم من غزة منذ بدء الحرب، بما فى ذلك كل الأطفال والنساء. لم تحدد الخطة إطاراً زمنياً لإسرائيل. كما نصت على تشكيل لجنة انتقالية من التكنوقراط تضم خبراء فلسطينيين وجنسيات أخرى تحت إشراف مجلس السلام برئاسة الرئيس ترامب مع قادة آخرين بينهم رئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير.
كما نصت على انسحاب للقوات الإسرائيلية من غزة، لكنها ربطت هذا الانسحاب بـ نزع سلاح حماس ونشر قوات دولية لتحل محل القوات الإسرائيلية. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خرج صباح الثلاثاء بتصريح يؤكد فيه أن جيش الاحتلال سيبقى فى معظم أنحاء غزة.
ورحبت دول أوروبا، وفى مقدمتها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا بالمقترح الأمريكي، كما أثنى وزراء خارجية مصر والإمارات وقطر والسعودية وتركيا وباكستان والأردن على جهود ترامب لإنهاء الحرب.
خطة ذكية وجريئة
من جانبه، قال توني بلير، الذى يعد أحد أبرز مهندسى هذه الخطة، إنها "جريئة وذكية" وشكر ترامب على استعداده لرئاسة "مجلس السلام"، واصفًا إياها بأنها "إشارة دعم وثقة كبيرة بمستقبل غزة". وقال: " طرح الرئيس ترامب خطة جريئة وذكية، والتي إذا تم الاتفاق عليها، يمكنها إنهاء الحرب، وتقديم الإغاثة الفورية لغزة، وفرصة مستقبل أكثر إشراقًا وأفضل لسكانها.. الشعب الفلسطيني، مع ضمان أمن إسرائيل المطلق والدائم وإطلاق سراح جميع الرهائن".
وقال ان الخطة هي افضل فرصة لإنهاء عامين من الحرب والبؤس والمعاناة، مشيرا الى ان استعداد ترامب لرئاسة مجلس السلام المشرف على "غزة الجديدة" علامة دعم وثقة كبيرة بمستقبل غزة، وأضاف: "بإمكانية إيجاد الإسرائيليين والفلسطينيين طريقًا للسلام، وبإمكانية تشكيل تحالف إقليمي وعالمي أوسع لمواجهة قوى التطرف وتعزيز السلام والازدهار بين الدول.
خطة مستحيلة لكن ضرورية
ورغم انتقاداته المستمرة لترامب وسياسته، وصف الكاتب الأمريكي توماس فريدمان خطة الرئيس الأمريكي بأنها خطة ذكية تحول دمار الحرب إلى مسيرة للسلام، وتدفع ليس فقط نحو وضع أساس جديد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن تطبيع بين إسرائيل ودول عربية أخرى. ولو نجحت الخطة، فإنه يمكن أن تشعل تحولاً فى إيران، يرى الكاتب أنه مطلوب للغاية.
لكنه استطرد قائلاً إن فى حين أن هذه الخطة قد تكون غير مسبوقة من إبداعها، فإنها تواكب لحظة غير مسبوقة فى وحشيتها، مما يجعل نجاحها مستبعدًا للغاية. فلو كانت هذه الخطة تهدف إلى حل نزاع حدودي بين السويد والنرويج، لكان الأمر مختلفًا. لكن للأسف، فإن هدفها هو وقف عامين من القتال الدامي والوحشي.

وقال إن تطبيق هذه الخطة المعقدة التي تتضمن وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي التدريجي من غزة وإطلاق سراح الأسرى، فضلاً عن إعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي، سيكون مهمة شاقة وسيتطلب ذلك حلا دبلوماسيا يوميا، بينما يسعى من وصفهم بأعداء هذه الصفقة إلى عرقلتها باستمرار.
وأعرب فريدمان عن شكوكه فى أنه ترامب يقدر حجم العمل الشاق الذى سيتطلبه الأمر وحجم الوقت والرصيد السياسى المطلوب منه بشكل شخصى، ومقدار الضغط الذى سيفرضه على كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحماس وحلفاء أمريكا للقيام ليس فقط بما لا يرغبون القيام به، ولكن ما يمكن أن يكون خطيراً لهم من الناحيتين السياسية والمادية.
ويشير فريدمان إنه رغم ما قاله نتنياهو أنه موافق على الخطة، فإن لن يصدق الأمر حتى يسمع رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول ذلك بالعبرية أمام الإسرائيليين وأمام حكومته.
أشاد الكاتب الأمريكي ديفيد أجناتيوس بخطة الرئيس دونالد ترامب للسلام فى غزة، وقال إنه يدفع بقوة من أجل إتمام صفقة القرن الخاصة بالشرق الأوسط، واصفاً مقترح السلام الذى تضمنته الخطة بأنها قد يكون نقطة تحول محتملة.
أما الكاتب ديفيد أجناتيوس، فقال فى مقاله بصحيفة واشنطن بوست إن ترامب وضع أساساً قوياً للسلام بخطته لإنهاء كابوس الحرب فى غزة والبدء فى الانتقال إلى مرحلة مستقرة لليوم التالى للحرب.
وعادة ما يبالغ ترامب فى أهمية أفعاله، كما يقول أجناتيوس، لكن هذا لا ينطبق على خطة غزة. فمجلس السلام الذى أعلن عنه الرئيس الأمريكى للإشراف على الانتقال السياسى فى غزة قد يكون بمثابة نقطة تحول. فقد تحدث ترامب عن نفسه بضمير الغائب فى تقديم نفسه رئيسا لمجلس السلام، لكن لو نجحت الخطة، فإن سيحقق بعض المكاسب الشخصية.
ويتابع الكاتب قائلاً: عادة ما يكون ترامب صاحب خطاب قوى دون الكشف عن تفاصيل دقيقة، لكن إعلان البيت الأبيض أمس، الاثنين، صحبه إطار عمل واضح لفريق ترامب كان يتم إعداده سراً على مدار أسابيع مع الحلفاء العرب.
وهناك التزامات حقيقية. فقد قال اثنان من المسئولين العرب لأجناتيوس يوم الجمعة أن قائمة قصيرة من التكنوقراط الفلسطينيين قد تم التدقيق فيهم للجنة الحاكمة. وتطوعت نحو ست دول منها إيطاليا وإندونيسيا وأذربيجان، بقواتها للمشاركة فى قوة إرساء الاستقرار. كما أن مجموعة المراقبة العربية ستشمل مصر والأردن وقطر والسعودية الإمارات. والتزمت الدول على حدة للإشراف على جوانب متعددة للإصلاح الفلسطيني مثل التعليم والتمويل.