د.سمر أبو الخير تكتب: مدارس الوجع.. حين تتحول المدارس إلى شبح لأطفال طيف التوحد

الإثنين، 29 سبتمبر 2025 03:34 م
د.سمر أبو الخير تكتب: مدارس الوجع.. حين تتحول المدارس إلى شبح لأطفال طيف التوحد د.سمر أبو الخير رئيس مؤسسة سفير للتخاطب والتأهيل

مع إشراقة شمس اليوم الأول من العام الدراسي الجديد، نجد منازل تتلألأ بالضحكات، وأطفال يقفزون فرحًا بحقائبهم الجديدة نحو بوابات المدارس.

وفي المقابل، منازل أخرى يخيم عليها صمت ثقيل، أمهات يخفين دموعهن خلف نوافذ مغلقة، وآباء يسهرون الليل يلتهمهم القلق، هل ستستقبل المدرسة طفلنا «المختلف» بترحاب واحتواء؟ أم سيقررون عزله خلف قضبان مدارس الوجع؟

هل يجد مكانه بين مقاعد الزملاء أم يعود إلى البيت مثقلاً بدموع العزلة؟ هذه ليست مبالغات عاطفية، بل واقع يومي لآلاف الأسر التي تحتضن أطفالًا من أصحاب "طيف التوحد" أولئك الذين لا يحتاجون إلى شفقة تُقصيهم، ولا مدرسة تحجبهم عن العالم، بل إلى مجتمع يفتح لهم باب المشاركة والاحتواء واستخراج طاقاتهم المكنونة.

الإحصاءات العالمية تضعنا أمام مسئولية كبرى؛ حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن واحدًا من كل 127 شخصًا في العالم مصاب باضطراب طيف التوحد، فيما تكشف بيانات شبكة مراقبة التوحد والتنمية الأمريكية أن واحدًا من كل 31 طفلًا في سن الثامنة تم تشخيصه ضمن فئة طيف التوحد بنسبة تتجاوز 3%.

هذه الأرقام ليست مجرد نسب على الورق، بل قصص إنسانية تنبض خلف كل باب، وصرخة غير مسموعة تطالب بمدرسة تحتضن الاختلاف بدلاً من أن تخشاه وتقرر عزله عن زملائه.


إن دمج أطفال الطيف في الفصول الدراسية ليس رفاهية اجتماعية ولا مشروعًا تجريبيًا، بل حق أصيل واستثمار في إنسانية مجتمع بأكمله، فالأبحاث الحديثة تثبت أن الدمج يضاعف فرص الطفل في اكتساب المهارات الاجتماعية واللغوية والتكيف النفسي، ويمنحه بيئة طبيعية تحاكي المجتمع الذي سيعيش فيه.


كما تكشف الدراسات العالمية أن المعلمين الذين تلقوا تدريبًا متخصصًا وأُتيح لهم التعامل مع أطفال الطيف كانوا أكثر تقبلاً ودعمًا لهم بستة أضعاف من غيرهم، ما يجعل وعي المعلم وتكوينه المهني خط الدفاع الأول نحو دمج حقيقي وفعال.


ولنجاح هذه التجربة، يجب أن تتحول الفصول إلى بيئة حاضنة لأطفال طيف التوحد، تضمن لهم ترتيب بصري منظم يقلل القلق، مع تخفيف الضوضاء والمثيرات الحسية، مع ضرورة توفير ركن آمن يلجأ إليه الطفل عند الحاجة، وتفعيل دور المساعد التربوي الذي يرافقه وييسر له الاندماج لحظة بلحظة.

إن برامج التدخل المبكر، والعلاج السلوكي، وجلسات تنمية المهارات الاجتماعية هي الجسر الذي ينقل الطفل من العزلة إلى فضاء المشاركة والتفاعل، وهنا لابد وأن يكون العام الدراسي الجديد ليس مجرد تقويم، بل فرصة لنفتح قلوبنا قبل صفوفنا، لنزرع ثقافة قبول الاختلاف قبل توزيع المناهج، ولنجعل مدارسنا بيوتًا آمنة لا أشباحًا مخيفة.

إن قلوب الأمهات والآباء اليوم تتأرجح بين قلق يثقل الصدور ورجاء يضيء بصيص الأمل؛ أم تترقب اليوم الذي ترى فيه طفلها يشارك زملاءه نشيد الصباح بكل ثقة ودون دموع، وأب يتمنى أن يُنظر إلى ابنه كإنسان كامل الإمكانات لا كـ«ملف» في مدارس الإهمال، وفي قلب هذه اللحظة الفاصلة يقف المعلم حجرَ الزاوية في معادلة الدمج؛ بكلماته الصادقة، وتشجيعه الدائم، وابتساماته المخلصة، ووعيه العلمي المستند إلى أحدث ممارسات التربية الخاصة، يستطيع أن يحول الخوف إلى أمان، والعزلة إلى مشاركة، و"مدارس الوجع" إلى مدارس القلوب، وهنا تصبح المدرسة مختبرًا لصناعة الوعي والرحمة، ويتحول الاختلاف إلى قيمة مضافة تبني مجتمعًا أكثر عدلًا وإنصافًا.

د. سمر ابو الخير
خبيرة التخاطب والتربية الخاصة
رئيس مؤسسة سفير للتخاطب والتأهيل




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة