أزمة غذاء غير مسبوقة بأمريكا اللاتينية.. الرسوم الأمريكية تفجر أسعار القمح والذرة والزيوت والسكر والقهوة.. تتسبب فى ضغط على اقتصاد البرازيل والمكسيك وكولومبيا.. وملايين الأسر تواجه خطر الجوع وتزايد الغضب الشعبي

الإثنين، 29 سبتمبر 2025 01:00 ص
أزمة غذاء غير مسبوقة بأمريكا اللاتينية.. الرسوم الأمريكية تفجر أسعار القمح والذرة والزيوت والسكر والقهوة.. تتسبب فى ضغط على اقتصاد البرازيل والمكسيك وكولومبيا.. وملايين الأسر تواجه خطر الجوع وتزايد الغضب الشعبي دونالد ترامب - الرئيس الأمريكى

فاطمة شوقى

تعيش أمريكا اللاتينية هذه الأشهر واحدة من أعقد أزماتها الاقتصادية منذ عقود، أزمة لا تتعلق فقط بانخفاض النمو أو ضعف الاستثمارات، بل ترتبط مباشرة بسلعة لا يمكن الاستغناء عنها، الغذاء، فقد أدت الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب في إطار سياساته التجارية الصدامية، إلى اختلالات واسعة في أسواق المنطقة، انعكست سريعاً على موائد الأسر وميزانيات الحكومات.

منذ منتصف عام 2025، شددت واشنطن القيود على صادرات عدة دول لاتينية، من بينها البرازيل، المكسيك وكولومبيا، بزعم "حماية الصناعات الأمريكية " وتقليص الاعتماد على الواردات"، إلا أن هذه السياسات لم تقتصر تداعياتها على العلاقات التجارية الثنائية، بل فتحت الباب أمام أزمة داخلية خانقة في دول الجوار الجنوبي.

في البرازيل، القوة الزراعية الأولى في العالم، تسببت القيود الأمريكية على فول الصويا والذرة في تراكم الفوائض محلياً، وهو ما أجبر المزارعين على بيع منتجاتهم بأسعار متدنية، بينما ارتفعت تكاليف التخزين والنقل، وكانت النتيجة مفارقة لافتة، تتمثل فى ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت داخل السوق المحلي، في وقت يفترض أن يؤدي الفائض إلى خفض الأسعار. هذا الاضطراب انعكس بقوة على سلة الغذاء اليومية للمواطن البسيط.

أما المكسيك، فقد واجهت ضربة مزدوجة، فمن جهة، تقلصت صادرات الطماطم والأفوكادو إلى السوق الأمريكى بشكل حاد، ما كبّد المزارعين خسائر بملايين الدولارات. ومن جهة أخرى، أدى نقص العملة الصعبة إلى زيادة تكلفة استيراد القمح والذرة من أسواق أخرى، لترتفع أسعار الخبز والزيوت النباتية بشكل غير مسبوق، وتزيد معاناة الأسر ذات الدخل المحدود.

وكولومبيا، التي تعد من أبرز منتجي البن عالمياً، وجدت نفسها في قلب أزمة هوية تجارية. فالتدفق الكبير للقهوة البرازيلية بأسعار منخفضة أدى إلى إغراق الأسواق وتهديد مكانة العلامة العالمية "100% Café de Colombia"، وبينما تتضرر سمعة المنتج الوطني، ارتفعت أسعار السكر والحبوب داخل البلاد، ما فاقم من مستويات التضخم وأضعف القوة الشرائية للمستهلكين.

وبحسب تقرير حديث للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والكاريبي (CEPAL)، فإن معدل التضخم في أسعار الغذاء بالمنطقة تجاوز 11% خلال 2025، وهو رقم صادم في قارة لطالما واجهت معدلات فقر مرتفعة، وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 20 مليون شخص إضافي باتوا مهددين بخطر انعدام الأمن الغذائي خلال العام الجاري، خاصة في الأحياء الفقيرة الكبرى مثل ساو باولو و  مكسيكو سيتي وبوجوتا.

ولم تبق الأزمة اقتصادية فقط، بل أخذت أبعاداً اجتماعية وسياسية. ففي الأرجنتين وتشيلي خرجت مظاهرات تطالب الحكومات بزيادة الدعم للمواد الأساسية، بينما تشهد النقابات العمالية في المكسيك تحركات متزايدة للضغط على السلطات لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه السياسات الأمريكية ، ويحذر الخبراء من أن استمرار الوضع قد يعيد إلى الأذهان موجات الاحتجاجات الاجتماعية العنيفة التي اجتاحت المنطقة مطلع العقد الماضي.

وتبدو الحكومات من جانبها تبدو في حيرة من أمرها، حيث أن محاولة مواجهة واشنطن مباشرة تحمل مخاطر سياسية واقتصادية جسيمة، بينما استمرار الوضع الحالي يهدد بزعزعة الاستقرار الداخلي. بعض الدول بدأت بالفعل في البحث عن بدائل تجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي، لكن هذه المساعي ما زالت في بدايتها ولن تعوض الخسائر السريعة في المدى المنظور.

في ظل هذا المشهد، تبدو أمريكا اللاتينية وكأنها عالقة فيما أطلق عليه"فخ تجاري" لا تملك مفاتيحه، حيث أن الرسوم الأمريكية أظهرت هشاشة اعتماد اقتصاداتها على سوق واحد، وكشفت ضعف آليات التعاون الإقليمي في مواجهة الأزمات، وبينما تتصاعد الأسعار وتضيق خيارات المواطن، تلوح في الأفق احتمالات لمزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية قد تعيد رسم خريطة القارة في السنوات المقبلة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب