فى ظل جرائم الحرب الإسرائيلية المسجلة بالصوت والصورة تعيش الحكومة الإسرائيلية فى مأزق دولى وعزلة دولية لم يسبق لها مثيل ويدعمها الرئيس الأمريكى وعد قليل من الدول فى ظل اعتراف دولى فى من أصل ١٩٣ دولة حصلت فلسطين على اعتراف دولى من ١٥٢ دولة.
من أجل تعريف أهمية هذه الخطوة الدبلوماسية التى تمثل دفعة معنوية تحاول الحكومة الإسرائيلية إفشالها على الأرض عبر إقامة المستوطنات، لا بد أن نعرف الدولة فى العلوم السياسية.
تعرف الدولة على أنها كيان سياسى يتكون من مثلث أضلاعه ثلاثة، شعب وأرض وسلطة، تفرض سيادتها ونفوذها على الأرض والشعب، والشعب يعرف على أنه مجموعة من السكان تقيم بشكل دائم فى منطقة جغرافية محددة، ويخضع الشعب لسلطة مركزية تفرض سيادتها وسلطتها عليهم وباكتمال أضلاع المثلث يحدث الاعتراف الإقليمى والدولى ويطلق صفة الدولة عليهم.
وبالتطبيق على فلسطين المحتلة ماذا يعنى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على المستوى الإقليمى والدولي؟
الوضع الفلسطينى فى الأمم المتحدة هى دولة غير كاملة العضوية تتمتع باعتراف إقليمى ودولى ولها مقرات دبلوماسية فى العديد من دول العالم، وبسبب الصراع الفلسطينى الإسرائيلى فليس لها حدود دولية معترف بها، ويأتى الاعتراف الدولى كخطوة معنوية لتشجيع مفاوضات حل الدولتين، وبالنسبة لإسرائيل فإنها تحتل الضفة الغربية والقدس وتقوم بحملات إبادة جماعية للشعب الفلسطينى فى غزة، ومقترح حل الدولتين الذى يلقى قبول دولى واعتراف يقر بحدود الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وتشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
ومنذ تشكيل السلطة الفلسطينية فى حقبة التسعينات بعد توقيع اتفاقيات السلام بين منظمة للتحرير الفلسطينية وإسرائيل برعاية أمريكية، لم تتمكن السلطة الفلسطينية من بسط نفوذها على الأرض أو على الشعب، وتعتبر الدولة الفلسطينية واقع تريد إسرائيل إفشاله فى ظل وجود حكومة يمينية متطرفة لا تعمل على حل الدولتين وتحلم بخرافات إسرائيل الكبرى وتعمل على الأرض بنظرية الأمر الواقع بتكريس عدم وحدة الأراضى الفلسطينية بإنشاء المستعمرات مستغلة الخلاف الفلسطينى الفلسطينى بين السلطة ومختلف الفصائل كحصان طروادة للتنصل من استحاقات السلام، وفى إطار غير مفهوم وغير مبرر إخلاقيا تعطى الحكومة الإسرائيلية الأمر ونقيده فى مفاوضات وقف الحرب على الأراضى الفلسطينية فى غزة، فهى ترسل وفودها للتفاوض على وقف الحرب عبر الوسيط المصرى والقطرى والأمريكى وتقوم فى سابقة تاريخية بالاعتداء على وفد حماس الطرف الثانى معها فى مفاوضات إنهاء الحرب على الأراضى القطرية وبضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية أثناء مناقشة الوفد للمقترح الأمريكى لوقف الحرب.
فالاعتراف بالدولة الفلسطينية هو إجراء رمزى ومعنوى يدل على العزلة التى تعيشها الحكومة الإسرائيلية وتعبر عن مخاض دولى مغاير للرغبة الأمريكية وخاصة مع اعتراف ثلاث دول تمتلك حق النقض الفيتو فى مجلس الأمن بالدولة الفلسطينية، وهم روسيا والصين وبريطانيا وسوف تنضم فرنسا ليكون أربع دول من خمسة وهم الدول الدائمة فى مجلس الأمن التى تمتلك حق الفيتو.
والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا اعترفت بريطانيا وسوف تتبعها فرنسا وعدد كبير من دول العالم بالدولة الفلسطينية الآن؟
الاعتراف جاء الآن فى إطار مفاوضات السلام لوقف حرب الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة فى غزة فى ظل فشل مجلس الأمن الدولى على تمرير قرار وقف إطلاق النار فى ظل الفيتو الأمريكى فكل أعضاء المجلس صوتوا لصالح قرار وقف الحرب وأوقفت الولايات المتحدة الأمريكية صدور القرار مستخدمة حق النقض الفيتو فى سقطة أخلاقية سيكتبها التاريخ فى حق الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى منفردة، تخوض مرحلة تحاول فيها المحافظة على قيادتها للعالم، وتعمل للحيلولة دون وجود عالم متعدد الأقطاب.
وتعتبر مشاهد القتل والتدمير ومجازر الإبادة الجماعية والتجويع ومحاولات التهجير القسرى وغيرها من الجرائم المسجلة بالصوت والصورة، هى التى حدثت تحول فى قرار الحكومات تحت ضغط شعبى ومزاج عالمى يعمل على إيقاف حرب الإبادة الجماعية.
وخطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تأتى كنوع من الإيجابية للسيطرة على الرأى العام الدولى الغاضب حيال عدم القدرة على إيقاف تلك الحرب الدموية وذلك فى إطار حل الدولتين.
وهنا سؤال لماذا تعترض الولايات المتحدة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
الإدارة الأمريكية لم تخف اعتراضها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث صرح الرئيس الأمريكى ترامب أنه يختلف مع رئيس الوزراء البريطانى فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك فى مؤتمر صحفى أثناء زيارته لبريطانيا، وقد اعترفت بريطانيا اليوم بالدولة الفلسطينية فى موقف يدل على تباين الرؤى بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وباقى دول العالم المعترفة بالدولة الفلسطينية فى إطار حل الدولتين، وقد تضاربت التصريحات الأمريكية غير المرحبة بإقامة الدولة الفلسطينية، ويعتبر ذلك سقطة تاريخية للرئيس الأمريكى الذى صرح قبل الانتخابات أنه سيقف الحرب على غزة وبالرغم من ذلك هو مع عدم وقف الحرب ويصرح دائما برغبته فى الحصول على جائزة نوبل للسلام، فلايزال هو من يستطيع أن يقف تلك الحرب الدموية ولم يفعل حتى الآن.
ما هو موقف السلطة الفلسطينية من الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية فى إطار حل الدولتين؟
رحبت السلطة الفلسطينية بالتوجه الدولى العام نتيجة الضغوط الشعبية لشعوب العالم بعد جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الأطفال والنساء وفى نفس الوقت طالبت سلطة الانقلاب فى غزة حركة حماس بتسليم السلاح إلى السلطة الفلسطينية وتسليم الأسرى حتى تنزع ورقة التوت عن الحكومة اليمينية المتطرفة فى إسرائيل ورحبت بمؤتمر حل الدولتين الذى سوف يعقد فى الأمم المتحدة برعاية السعودية وفرنسا وبدعم مباشر على الأرض من الموقف المصرى الرافض لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير ويظل الاعتراف بالدولة الفلسطينية بين الواقع على الأرض والمأمول فى المنظمات الدولية.
فمصر قيادة وشعبا مع حل الدولتين وتعمل جاهدة على توحيد الشعب الفلسطينى وتساهم فى خطط اليوم التالى للحرب وتدرب عناصر من الشرطة الفلسطينية وتعمل بإخلاص وفق أجندة وطنية خالصة تحقق المصالح العليا للشعب الفلسطينى دون انتماءات سياسية أو دينية فقط فلسطين أولا.