العلاقات «المصرية - الإسبانية»، نموذج مثالى للعلاقات بين الدول، لأنها تتجاوز العلاقات الدبلوماسية والسياسية إلى تعاون وشراكات متنوعة، اقتصادية وتجارية، وسياحية وثقافية، بجانب توافق الرؤى فى القضايا الإقليمية والدولية، من هنا يمكن النظر إلى الزيارة المهمة التى يقوم بها الملك فيليبى السادس، ملك إسبانيا، والملكة ليتيزيا ملكة إسبانيا، فى أول «زيارة دولة» يقوم بها الملك الإسبانى إلى مصر، تلبية لدعوة الرئيس السيسى، أثناء زيارته لإسبانيا فبراير الماضى، والتى كانت ضمن الزيارات المهمة لما تمثله إسبانيا لمصر والشعب المصرى والعلاقات التاريخية بين الشعبين الصديقين، تاريخيا، والتى نمت خلال السنوات الأخيرة بشكل متنامٍ، بجانب موقف إسبانى داعم للقضايا العربية، وأيضا للقضية الفلسطينية وتوافق فى الرؤية مع مصر.
وإسبانيا من أكثر الدول الأوروبية دعما للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأظهرت تضامنا واسعا مع غزة خلال الحرب الأخيرة، واتخذت مواقف جريئة ضد إسرائيل، ومن أولى الدول الأوروبية التى أعلنت تأييدها قيام الدولة الفلسطينية، واعترفت لحكومة الإسبانية بدولة فلسطين فى مايو 2024 فى خطوة مشتركة مع أيرلندا والنرويج، وهى من أكثر الأصوات فى أوروبا انتقادا لإسرائيل، واتخذت ضدها سلسلة من الإجراءات بهدف وقف الحرب التى تؤكد أنها إبادة جماعية للفلسطينيين فى غزة، واقترح رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز أيضا استبعاد إسرائيل من جميع المسابقات الرياضية «ما دامت الهمجية مستمرة» فى غزة.
وتقديرا للشعب الإسبانى والعلاقة القوية بين مصر وإسبانيا، تبادل الرئيس عبدالفتاح السيسى، والملك فيليبى السادس، الأوسمة بحضور السيدة انتصار السيسى قرينة الرئيس، والملكة ليتيزيا، ملكة إسبانيا، بمقر قصر الاتحادية، حيث أهدى الرئيس السيسى قلادة النيل إلى الملك فيليبى السادس، وكذا وسام الكمال من الطبقة الممتازة للملكة ليتيزيا ملكة اسبانيا، حيث إن قلادة النيل لها المقام الأول بين الأوسمة المصرية وأرفعها قدرا وأعظمها شأنا ووسام الكمال بطبقته الممتازة يعد أرفع طبقة تهدى للسيدات، وتقديرا وعرفانا من ملك إسبانيا واعتزازا بعمق العلاقات التاريخية بين البلدين، أهدى ملك إسبانيا الرئيس السيسى القلادة الملكية لوسام «إيزابيل لاكاتوليكا»، وكذا وسام «إيزابيل لاكاتوليكا» ارفع الأوسمة الإسبانية، للسيدة انتصار السيسى.
وهذه الخطوات تعد تأكيدا لكون العلاقات «المصرية - الإسبانية» راسخة وقوية تاريخيا، فضلا عن أنها شهدت دفعة كبيرة خلال الزيارة المهمة التى قام بها الرئيس السيسى فى فبراير الماضى حيث قوبل بحفاوة بالغة، وهى زيارته الثانية إلى مدريد، وتمت وسط حفاوة من ملك إسبانيا وكانت الزيارة الثانية للرئيس إلى إسبانيا، وكانت الأولى عام 2015، وخلال الزيارة أقام ملك إسبانيا فيليبى السادس، مأدبة غداء على شرف الرئيس السيسى فى القصر الملكى، وعقد الملك اجتماعا ثنائيا مع الرئيس، الذى التقى رئيس الوزراء بيدرو سانشيز.
وخلال زيارة الرئيس فى فبراير الماضى تم توقيع وثيقة لترفيع العلاقات المصرية الإسبانية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، مع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، والتى ساعدت فى تعميق التعاون الاقتصادى والاستثمارى، وزيادة حجم التبادل التجارى بين مصر وإسبانيا، الذى يبلغ نحو 3 مليارات يورو، وتعد إسبانيا ثانى أكبر دولة مستقبلة للصادرات المصرية، وبالتالى هناك تعزيز للاستثمارات الإسبانية، والبناء على قصص نجاح الشركات الإسبانية فى مصر، وتكثيف التعاون فى توطين الصناعة بمصر فى كل المجالات، بما فى ذلك مجالات الطاقة المتجددة والنظيفة، والنقل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتبادل الخبرات والمعلومات فى كل المجالات،
الحفاوة الإسبانية بالرئيس تقدير للصداقة بين الشعبيين، وأيضا للدور المصرى الإقليمى والدولى الفاعل، وتأتى زيارة ملك إسبانيا، فيليبى السادس لمصر تلبية لدعوة الرئيس السيسى والذى دعا الملك أيضا لحضور افتتاح المتحف المصرى الكبير نوفمبر المقبل.
وهناك توافق كبير فى وجهتى النظر تجاه القضايا الإقليمية والدولية، حيث تنظر إسبانيا إلى مصر كبلد مهم، له تأثير فى المنطقة ولديه تجربة اقتصادية وسياسية مهمة وتجربة تنموية لافتة، وهناك إمكانية لتوسيع وتنمية هذه العلاقات، وتدعم إسبانيا، بصفتها عضوا فى الاتحاد الأوروبى، حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق السلام الدائم فى المنطقة، وترفض تهجير سكان غزة أو الضفة، وتعتبره جريمة، وخلال زيارة الرئيس لإسبانيا فى فبراير الماضى أكد رئيس الحكومة الإسبانية اتفاق إسبانيا الكامل مع موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين، بشكل حاسم وقاطع، ودعم والخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة بما يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، والسير نحو تطبيق حل الدولتين.
وخلال لقائه وقرينته مع أبناء الجالية الإسبانية بمصر فى مستهل زيارتهما إلى القاهرة، قال ملك إسبانيا، إن المنطقة تمر بظروف مأساوية ومتوترة، وإن هناك أزمة إنسانية فى قطاع غزة لا تحتمل، حيث إن رد الفعل على هجوم 7 أكتوبر امتد أثره بعيدا وأدى إلى رد فعل أسفر عن سقوط عدد لا يحصى من الضحايا، وتدهور الوضع إلى أزمة إنسانية فى غزة لا تحتمل، ومعاناة لا توصف لمئات الآلاف من الأبرياء، وتدمير غزة بالكامل، وأكد أن إسبانيا ومصر تمضيان معا سعيا من أجل السلام الدائم والشجاع.
الزيارة والحفاوة المتبادلة، تؤكدان صداقة وقريب الشعبين المصرى والإسبانى.
