أطلق الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، مبادرة بعنوان "إنتو أصل الحكاية"، وهى مبادرة تهدف إلى تقديم "تفصيلة فى صورة" تعرض أسبوعيًا، حيث يتم نشر صور لمبانٍ تراثية من قلب مصر، مع سرد قصتها واسترجاع لحظة من لحظات الزمن الجميل، ليصبح الحنين وعيًا، ويتحول الوعي إلى التزام، وفى إطار المبادرة، شارك الجهاز القومي للتنسيق الحضاري عبر صفحته الرسمية على موقع "فيس بوك" صورة عمارة الإيموبيليا.
عمارة الإيموبيليا
بدأت الحكاية من أرض قصر سان دي موريس التي شغلته السفارة الفرنسية عند ملتقي شارع المدابغ "شريف الحالي" وشارع قصر النيل والذي اختير فيما بعد ليصبح موقع أول ناطحة سحاب على حد تعبير هذا العصر أنها عمارة الإيموبيليا.
في 26 يناير سنة 1937م باع المسيو بيير دي فيتاس وزير فرنسا المفوض آنذاك إلي الشركة العمومية المصرية "إيموبيليا" أرض تلك السفارة الفرنسية فجاءت مكانها ناطحتي سحاب قلب القاهرة
تم إنشاء العمارة فيما بين عام 1937 و1939 وبلغت تكلفتها مليون و200 ألف جنيه، وكان مالكها آنذاك أحمد باشا عبود أحد أغنياء مصر، تبلغ المساحة الإجمالية للعمارة 5444 متراً كما تعد أول عمارة تأخذ الشكل الانسيابي وتتجرد من التفاصيل الزخرفية الكلاسيكية التي كانت تتمتع بها المباني في ذلك الوقت وقد أطلق عليها هرم مصر الرابع.
أما عملية التنظيف فكانت تتم عن طريق عربات المطافئ التي كانت تقوم بغسلها مرتين في الشهر للحفاظ على جمالها ورونقها.
طرح مشروع تشييدها في مسابقة معمارية وتقدم لهذا المشروع أكثر من 13 متسابقاً وتمت دراسة المشاريع لأكثر من شهر كامل ومنحت الجائزة الأولى شركة فرنسية إيطالية للمعماريين "ماكس أدرعي وجاستون روسيو " بلغت قيمتها 600 جنيه أما الجائزة الثانية فكانت للمهندس أنطوان نحاس .
عند نقطة التقاء شارعي شريف وقصر النيل يقف البناء شامخ علي شكل برجين أحدهما بحري ويتكون من 11 طابقا، والآخر قبلي ويرتفع لـ 13 طابقا بقاعدة مشتركه ويضم البرجان 370 شقة بنحو 27 مصعدًا كانت تقسم إلى ثلاث فئات "بريمو" للسكان، و"سوكندو" للخدم، وآخر للأثاث، تميز المبني بطرازه المعماري الخاص بمرحله الحداثة الخالية من الزخارف والزينة والمميزة لمرحله البناء بالخرسانة المسلحة حيث كان تنفيذها من نصيب شركتي لانج ورولان لأعمال البناء والتنفيذ وتنفيذ المصاعد شركة الجرارات والأعمال الهندسية "أوتيس".
أول عمارة تضم جراجا تحت الأرض
تعد الإيموبيليا أول عمارة تضم جراجا تحت الأرض يسع حوالى 100 سيارة وأول مبني خرساني يرتفع هذا الارتفاع، كما أنها أول عمارة سكنية مزوده بنظام تدفئة خاص حيث كان يتم وضع نفايات الشقق في مواسير ضخمة تصل إلى بدروم العمارة حيث تحرق وتمد كافة الشقق بوسائل تدفئة عبر مجموعة مواسير ضخمة موجودة حتى الآن لكن النظام نفسه توقف، عمل بها 4000 عامل في شتي المجالات وتنوعت جنسيتهم إلي حد كبير منهم فكانت شاهد علي امتزاج الاجناس والاعراق التي حوتها مدينه القاهر’.
كان "عبود باشا" مشهورًا بحب الأهلي، وتولى رئاسته في عام 1946، ولذلك قام بتخصيص شقتين بـ "الإيموبيليا" للمغتربين من لاعبي الأهلي، كما وظف بعضهم بشركة البوستة الخديوية، والتي كان مقرها في العمارة أيضا، تراوح الإيجار للشقق حسب المساحة من 6 إلى 9 جنيهات وكان يصل إلى 12 جنيهًا في بعض الأحيان، وهي مبالغ إيجارية عالية جدًا بقيمة النقود في تلك الفترة ولذلك شهدت إقبالاً كبيرًا من صفوة المجتمع المصري للسكن بها، فسكنها المشاهير من السياسيين والأدباء وكبار الصحفيين والفنانين اللامعين ورجال المجتمع، ليطلق عليها المصريون عمارة الزمن الجميل أمثال نجيب الريحاني، ومحمد فوزي، وأنور وجدي وزوجته ليلى مراد، وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، والفنانة ماجدة الصباحي، والكاتب فكري أباظة، والفنانة الراحلة كاميليا، والمخرج هنري بركات، والمطربة أسمهان شقيقة الفنان فريد الأطرش، والمخرج أحمد سالم، والكاتب توفيق الحكيم.
ظلت العمارة مملوكة لعبود باشا حتى عام 1961 حين أمم الزعيم جمال عبد الناصر أملاكه وآلت ملكية العمارة لشركة الشمس للإسكان والتعمير .