برز الخطاب المصري القوي، ومن ثم الخطابات العربية الداعمة لقطر ضد العدوان الذي وقع عليها خلال الأسبوع الماضي، خطابا مبنيا على أساس صلب، ليس مجرد خطاب دولة تدافع عن مصالحها السياسية المؤقتة في معرض دفاعها عن دولة جوار، لكنه ذلك الخطاب الذي يعيد إلى الأذهان التفكير في تلك الأرضية الثقافية المشتركة التي تقف عليها الدول العربية كلها، والتي ربما تناستها بعض الأنظمة في ظل التغيرات السياسية التي حدثت على مدار العقود السابقة.
ربما يجب علينا الآن أن نخرج الثقافة من ذلك الركن الذي وضعناها فيه بوصفها مجالا للتنافس، أو على أفضل الأحوال، حين التعامل معها بوصفها هامشا على متون أكثر أهمية، في الوقت التي تظل فيه الثقافة هي الأرض الصلبة التي تتضح عليها مناطق التقاطع الممكنة التي نستطيع عن طريقها بناء مصالح حقيقية ومستدامة، وهو ما حرصت القوى الإمبريالية أن تقنعنا بعكسه على مدار أكثر من قرن، ونحن – للدهشة الكبرى – قد تبعنا ذلك حتى صارت تلك القوة التي كان ينبغي أن نعززها منطقة ضعف واضحة، فحين تتعذر أنماط الوحدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، تبدو الثقافة مجالا ينبغي تقويته، فتسهل باقي المجالات تبعا له.
من هنا فإن اللحظة الآن هي الأكثر مناسبة لإعادة طرح سبل التعاون الثقافي بين الشعوب العربية، تلك السبل التي لم تنقطع إلا نادرا، حتى في أسوأ الظروف، لكنها تحتاج الآن إلى التوقف حيال ما يمكن دعمه وتعزيزه من مشروعات مشتركة حقيقية، لا تقف عند حد التسلية أو الترفيه، بل تتعدى ذلك إلى إعادة النظر في مشروعات ثقافية تستطيع أن تخلق للمتعاونين فرصا ومصالح أكثر وضوحا وتوازنا.
إن الحاجة إلى الثقافة تبدو الآن حاجة ملحة وأساسية، وكذلك فإن الحاجة إلى طرح مشروعات ثقافية تبدو أكثر وضوحا لتعزيز واستثمار لحظة التكاتف الراهنة، وربما تبدو مشروعات النشر المشترك والمتبادل، ومنصات النشر الرقمي، واتحاد معارض الكتب العربية، ومهرجانات السينما والمسرح والفنون الشعبية والتشكيلية ذات الطابع العربي، وغيرها من المشروعات الأخرى، التي يمكنها تخليق خريطة مشروعات وأنشطة ثقافية عربية تسهم في التقارب بين أجنحة الثقافة العربية، كل هذا يبدو الآن ضمن ضرورات اللحظة التي يجب أن تجعلنا نتأمل عوامل قوتنا ونسهم في زيادتها واستدامتها.
نحن نحتاج إلى الثقافة، لأنها الأساس الذي بدونه ستظل باقي المصالح والتعاونات مجرد أمور طارئة، ربما تتغير من وقت إلى آخر، ونحن نحتاج إلى الثقافة العربية مع احترام تنوعات أنماطها في كل قطر وشعب، ومع اعتبار تلك التنوعات عناصر قوة يجب استغلالها.