تعاليم أمنمحات الأول.. أول وثيقة أدبية ذات بعد سياسى فى الأدب المصرى القديم

الأربعاء، 06 أغسطس 2025 04:00 م
تعاليم أمنمحات الأول.. أول وثيقة أدبية ذات بعد سياسى فى الأدب المصرى القديم أمنمحات الأول

أحمد منصور

تعد "تعاليم أمنمحات الأول" واحدة من أبرز النصوص الأدبية السياسية التى خلفتها الدولة الوسطى فى مصر القديمة، وعلى الرغم من أن هذه التعاليم تنسب رسميا إلى الملك "أمنمحات الأول"، فإن الأبحاث الحديثة ترجح أنها لم تكتب بيده، بل صيغت بعد وفاته بواسطة الكاتب "خيتي بن دواوف"، وهو ما تشير إليه أقدم نسخة معروفة إلى الآن، وتظهر تلك التعاليم كوثيقة أدبية تم توظيفها كأداة دعائية سياسية لدعم شرعية حكم ابنه وخليفته "سنوسرت الأول".

أثار ذلك النص جدلًا بين الباحثين حول نسبه الحقيقي، حيث رأى البعض أن تلك التعاليم لم تصدر مباشرة عن الملك، بل كتبت لاحقا كجزء من محاولة لتثبيت مكانة الابن فى الحكم، وذلك استنادًا إلى نص وجد في بردية "شستر بيتي" يشير إلى أن الكاتب "خيتي" هو من ألفها بعد وفاة الملك، بينما اعترض البعض الآخر على ذلك الرأي، معتبرًا أن ما حدث قد يكون خطأ من كاتب لاحق في عهد الرعامسة، أو ربما أن "أمنمحات" نطق بها فعلًا أمام رجال دولته عندما أشرك ابنه في الحكم، وسُجّلت بأمر ملكي كما كان يحدث في خطابات تعيين الوزراء التي نجد شواهد لها في مقابر مثل رخ مي رع، بحسب ما رواى لنا عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير.

 

إحدى تعاليم أمنمحات

تشير إحدى الجمل القوية فى التعاليم إلى احتمال اغتيال "أمنمحات" داخل القصر، إذ يقول: "ولو كنت استللت سلاحي بيدي، لَكنت جعلت هؤلاء المخنثين يولون الأدبار"، ما يفسر كإشارة إلى مؤامرة قتل فيها دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه، ويتأكد هذا المعنى في مواضع أخرى من النص، حيث يظهر أمنمحات وكأنه يخاطب ابنه من مقبرته، موصيًا إياه بالحكم، مؤكدًا على شرعيته، ومنددًا بأعدائه، هذا الأسلوب فى مخاطبة الأحياء من قبل الأموات معروف في الفكر المصري القديم، ويستخدم في المتون الجنائزية كوسيلة لحفظ الذكرى وبث الرسائل العقائدية والسياسية.

أمنمحات الأول
أمنمحات الأول

ويضيف الدكتور حسين عبد البصير قائلا: يبدو واضحًا أن تلك التعاليم كتبت لتخدم هدفًا سياسيًا محددًا، وهو دعم تولية "سنوسرت الأول" في ظل ظروف غامضة أحاطت بوفاة والده، ففي إحدى الفقرات، يقول النص: "انظر إن المصيبة قد حلَّت بي عندما كنت بدونك"، ما يدل على أن سنوسرت لم يكن حاضرًا عند وفاة والده، وهو ما يتوافق مع ما جاء في قصة "سنوهي"، التي تحكي عن وفاة الملك المفاجئة أثناء غياب ابنه في حملة عسكرية، وعن حالة الذعر التي أصابت "سنوهي" عند سماعه الخبر.

تمثال الملك أمنمحات الأول
تمثال الملك أمنمحات الأول

عدالة الملك أمنمحات الأول 

يؤكد النص كذلك على عدالة الملك الراحل، وحرصه على رعاية شعبه، إذ يقول: "لقد أعطيت الفقير وعلّمت اليتيم… ولم يَجُعْ إنسان في سِنِي حكمي"، في محاولة لتقديمه كنموذج للحاكم المثالي الذي يوصي من بعده بالخير والاستقرار. ويبدأ النص بجملة محورية تعكس الطابع السياسي: "يقول لابنه في رسالة صادقة"، ما يُبرز طبيعة النص كوصية رمزية تُثبت أحقية الابن في الحكم.

ات الأول في خرطوش
ات الأول في خرطوش

في ضوء ذلك يمكن اعتبار تعاليم أمنمحات الأول أول وثيقة أدبية ذات بعد سياسي مباشر في الأدب المصري القديم، استخدمت لتثبيت السلطة وتبرير الانتقال السلمى للحكم بعد حادثة اغتيال قد تكون زعزعت استقرار البلاد، وتُعد نموذجًا رائدًا لمزج السياسة بالأدب، ومثالًا على تقاليد مخاطبة الأحياء للأموات والعكس في المعتقدات المصرية القديمة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة