تحل اليوم ذكرى رحيل الشاعر الفرنسي الشهير شارل بودلير الذى رحل عن عالمنا في 31 أغسطس من عام 1867 وهو صاحب أعمال: "المُعجب"، "البجعة"، "رسام الحياة الحديثة"، "الرحلة"، "أزهار الشر"، "الفردوس الاصطناعي"، "قصائد نثرية صغيرة".
كان شارل بودلير وفقا لموسوعة بريتانيكا شاعرًا ومترجمًا وناقدًا أدبيًا وفنيًا فرنسيًا، ارتكزت شهرته بشكل أساسي على ديوانه "أزهار الشر" الصادر سنة 1857 الذي ربما كان أهم مجموعة شعرية وأكثرها تأثيرًا نُشرت في أوروبا في القرن التاسع عشر وبالمثل، كان ديوانه "قصائد نثرية صغيرة" الصادر سنة 1868 التجربة المبكرة الأكثر نجاحًا وابتكارًا في شعر النثر في ذلك الوقت.
الحياة المبكرة
كان بودلير الابن الوحيد لفرانسوا بودلير وزوجته الثانية الأصغر سنًا بكثير، كارولين ديفاي، التي تزوجها عام 1819. بعد أن بدأ فرانسوا مسيرته كاهنًا، تخلى عن الرهبانية عام 1793 وأصبح في النهاية موظفًا مدنيًا مزدهرًا من الطبقة المتوسطة، توفي والده في فبراير 1827، وبعد ذلك بنحو 18 شهرًا، عاش بودلير ووالدته معًا في ضواحي باريس في ظروف سيظل يتذكرها دائمًا، إذ كتب لها عام 1861 عن "فترة حبه الشغوف" لكارولين فقال "كنتُ أعيش فيكِ للأبد؛ كنتِ لي وحدي تمامًا" ثم انتهى هذا "الفردوس الأخضر لحب الطفولة" فجأةً في نوفمبر 1828 عندما تزوجت كارولين من جاك أوبيك، وهو جندي محترف ترقى إلى رتبة جنرال، وشغل لاحقًا منصب سفير فرنسا لدى الدولة العثمانية وإسبانيا قبل أن يصبح عضوًا في مجلس الشيوخ في عهد الإمبراطورية الثانية.
في عام 1831 بدأ بودلير تعليمه في الكلية الملكية هناك في عام 1832 قبل أن ينتقل، عند عودة العائلة إلى باريس في عام 1836، إلى مدرسة ليسيه لويس لو جراند المرموقة بدأ في كتابة أقدم قصائده، ولكن بالنسبة لأساتذته فقد بدا مثالًا للفساد المبكر، حيث تبنى ما أسموه "التصنع غير المناسب لعمره" كما عرف بمزاج من الكآبة الشديدة، وأصبح مدركًا أنه كان وحيدًا بطبيعته. أدت أفعاله وعدم الانضباط إلى طرده من المدرسة بعد حادثة تافهة في أبريل 1839 وبعد اجتياز امتحانات البكالوريا أثناء التحاقه بالكلية سانت لويس، أصبح بودلير طالبًا اسميًا للقانون في مدرسة الحقوق بينما كان في الواقع يعيش "حياة حرة" في الحي اللاتيني وهناك، أقام أولى اتصالاته في عالم الأدب، وأصيب أيضًا بالمرض التناسلي الذي أودى بحياته في النهاية، ربما مع من تُلقب بسارة لا لوشيت "سارة ذات العينين الصغيرتين" والتي احتفى بها في بعضٍ من أكثر قصائده المبكرة تأثيرًا.
ورث بودلير ميراثها ضخما في أبريل 1842 وسرعان ما أنفقه على أسلوب حياة رجل أديب أنيق، ينفق بسخاء على الملابس والكتب واللوحات والطعام والنبيذ الباهظ الثمن، وأخيرًا الحشيش والأفيون، الذي جربه لأول مرة في شقته الباريسية في فندق بيمودان (الآن فندق لوزون) في جزيرة سانت لويس بين عامي 1843 و1845. بعد وقت قصير من عودته من البحار الجنوبية، التقى بودلير بجين دوفال، التي سيطرت على حياته على مدار العشرين عامًا التالية، أولاً كعشيقة له، ثم بعد منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، كمسؤولة عنه ماليًا.
حكايته مع قصيدة النثر
نُشرت مجموعة بودلير "قصائد نثرية صغيرة" بعد وفاته عام 1869 وسُمّيت لاحقًا، كما أراد المؤلف، "طُحال باريس" بمعنى "المُتسكع الباريسي" لم يُعِش بودلير طويلًا بما يكفي لجمع هذه القصائد في مجلد واحد، ولكن يتضح من مراسلاته أن العمل الذي تصوره كان استمرارًا لـ"أزهار الشر" وانطلاقًا جذريًا منه. يُمكن اعتبار بعض النصوص قصائد نثرية أصيلة، بينما يُشبه بعضها الآخر سرديات نثرية مُصغّرة. مرة أخرى، تدور أحداث القصيدة في المقام الأول في المناطق الحضرية، مع التركيز على الحشود وما تحتويه من معاناة بقصائد مثل: بهلوان شارع منهك، وبائع شارع تعيس، والفقراء يحدقون في الأغنياء في مقاهيهم الفخمة، والمختلون عقليًا، والمهملون والكلاب المنبوذة التي تركض وتبحث في شوارع بروكسل.