لم تكن المرأة عند نجيب محفوظ مجرد شخصية عابرة في أحداث رواياته، بل كانت مرآة للمجتمع المصري، بأحلامه وانكساراته، بانتصاراته ومآسيه. عبر شخصيات نسائية متنوّعة، صاغ محفوظ صورة مركّبة للمرأة: الأم المقهورة، الفتاة المتمرّدة، الزوجة المستكينة، والعاشقة الباحثة عن ذاتها.
نجح محفوظ في أن يخلق شخصيات نسائية من لحم ودم، تسبق في صدقها حتى تجسيدها على الشاشة. فـ"أمينة" في الثلاثية رمز للاستسلام والرضوخ، و"حميدة" في زقاق المدق أيقونة الطموح المتهور الذي يقود إلى السقوط، بينما "زهرة" في ميرامار تجسيد للفتاة الريفية الباحثة عن الخلاص، و"إحسان" في القاهرة 30 صورة للفتاة الفقيرة التي دفعتها الحاجة إلى هاوية الليل. كل واحدة من هذه الشخصيات تحمل بصمتها الخاصة، كأنها خرجت من الواقع مباشرة إلى الورق.
حين تحولت أعمال محفوظ إلى السينما، برزت نجمات كبيرات قدمن بصمات خالدة عبر شخصياته النسائية. شادية جسدت "نور" في اللص والكلاب، و"حميدة" في زقاق المدق، و"كريمة" في الطريق، و"زهرة" في ميرامار، كما تألقت سعاد حسني في شخصية "إحسان" (القاهرة 30)، ونادية لطفي في دور "ريرى"، بينما أبدعت سناء جميل في تجسيد "نفيسة" بـبداية ونهاية. كل منهن تركت بصمة خاصة جعلت نساء محفوظ يتألقن على الشاشة كما تألقن على الورق.
الناقد والروائي أشرف الصباغ يرى أن نساء محفوظ يستحقن خشبة المسرح أكثر من الشاشة، لأنهن يحملن في داخلهم طاقة درامية للحوار والجدل، وكأن إحسان من القاهرة الجديدة يمكن أن تقف يومًا لتتحاور مع حميدة من زقاق المدق. ويضيف: لم يتعامل محفوظ مع المرأة باعتبارها ضحية فقط، بل كإنسانة كاملة المسؤولية عن مصيرها، قادرة على الاختيار والخطأ والسقوط والنهوض.
ويري الناقد الكبير الدكتور حسين حمودة، مفتتح عدد "المرأة عند نجيب محفوظ" التي صدر بدورية نجيب محفوظ التي تصدر عن المجلس الأعلى للثقافة، أن هناك أوهامًا شاعت حول كتابات نجيب محفوظ، من بينها أنه لم يُنصف المرأة أو أنه اكتفى بتقديم صور سلبية عنها، موضحا أن هذه الأحكام جاءت في أغلبها من قراءة سطحية أو من الاكتفاء بمشاهدة الأفلام المأخوذة عن رواياته، بينما القراءة المتأنية تكشف أن محفوظ قدّم شخصيات نسائية مركّبة تعكس سياقاتها الاجتماعية والتاريخية، لا مجرد نماذج أخلاقية للتقليد أو الإدانة.