زاهى حواس

قصر البارون إطلالة أوروبية على حضارة مصرية

الخميس، 28 أغسطس 2025 11:07 ص


هذا القصر المذهل في جماله.. هو بحق تحفة معمارية أوروبية الطراز على أرض مصر تنطق أحجاره وجوانبه بعظمة الماضي الجميل وعبقه، الذي جعل هليوبوليس أى مدينة الشمس في اللغة الإغريقية القديمة هي أقدم وأهم بقعة في التاريخ.. منها ولد أول فكر ديني فسر لنا خلق الكون من منظور إنساني، هذه النهضة الفكرية صاحبتها نهضة علمية عظيمة في كل العلوم، فمن "أون" عرف أول تقويم في التاريخ الإنساني، وتخرج في جامعتها المهندسون والمعماريون والأطباء المتخصصون في كل مناحي الطب حتى البيطرى منه.. زارها الفلاسفة والمفكرون اليونان ونهلوا من علومها، فكانت قواعد حضارتهم ذات أصول مصرية بحتة.

إن البحث عن حضارة "أون" ومفكريها وعلمائها موضوع شيق يحتاج إلى مزيد من الاهتمام وضم المدينة القديمة إلى المدينة الحديثة هليوبوليس أو مصر الجديدة، ووضع آلية موحدة للنهوض بالمكان ككل لما فيه صالح سواء المجتمع وتاريخ المدينة.

لابد وأن نشيد هنا باهتمام ومجهودات السيدة سوزان مبارك بقصر البارون إمبان ضمن مشروعها الطموح في النهوض وتطوير مصر الجديدة، وخلق مجتمع متكامل الخدمات في هذا الجزء من مدينة القاهرة ضمن اهتمامها بتحسين أوضاع المرأة والطفل المصرى، وقد قارب الحلم على أن يتحقق.. حلم افتتاح متحف سوزان مبارك للطفل، ويصبح في مصر بل وفي أفريقيا كلها أول متحف متكامل لطفل لا يقتصر دوره فقط على توفير مكان للمتعة واللهو، وإنما لتعليم الطفل والنهوض بقدراته الذهنية ومساعدته على الإبداع.. وذلك في إطار من المتعة واللعب معاً.

ولقد جاء الاهتمام بتطوير وترميم قصر البارون إمبان مؤسس مصر الجديدة من خلال تعاون بين المجلس الأعلى للآثار في مصر، والجانب البلجيكي لكي يصبح القصر مركزاً للإشعاع الثقافي في مصر الجديدة والحفاظ على جزء من هويتها من خلال الحفاظ على قصر إدوراد إمبان، والذي لا يعرف الكثيرون أنه كان ضمن من خطط وساهم في بناء العاصمة باريس.. وكان يحلم أن يبنى حياً كبيراً يرتبط بالقاهرة ويجاور مدينة هليوبوليس القديمة بكل تاريخها العظيم. وقد بدأ إمبان في أعمال الحفائر حتى لا تبنى المدينة فوق أطلال آثار "أون"، وقد استطاع خلال هذا الوقت أن ينقل العديد من الآثار إلى بلجيكا.. واستعان إمبان بالمهندس المعماري البلجيكي إيرنست جاسبر لكى يشيد المدينة الجديدة على أن تجمع بين العمارة الإسلامية والفن الحديث.. واستطاع المهندس البلجيكي أن ينشأ أيضاً العديد من المباني المهمة، منها فندق هليوبوليس بالاس والذي أصبح الآن المقر الرئاسي.

وفي عام 1905 أنشأ هذا القصر المعروف باسم قصر البارون إمبان، والذي كان يطلق عليه أصلاً اسم الفيلا الهندوسية، وخاصة لأن القصر يحمل تفاصيل معمارية هندية وإسلامية، وخاصة المنطقة الجنوبية أو المقصورة والتي هي على شكل العمارة الهندية.

وقد اشترك في بناء العديد من الفيلات والقصور مهندسين مصريين وأجانب.. ومن أسباب تميز هذا المكان هو أن من يعيش فيه يشعر بخصوصية وتنوع ثقافي فريد، بالإضافة إلى تنوع الديانات والعيش معاً في سلام بعيداً عن روح التعصب.

وقد التقى وزير خارجية بلجيكا وسفير بلجيكا والعديد من المختصين في موضوع ترميم القصر بالسيدة سوزان مبارك، وقد أشارت في حديثها إلى هذه الخصوصية، وكيف أنها نشأت وعاشت حياتها في هذا المكان الهادي الجميل.. هليوبوليس، ولذلك جاء اهتمامها بترميم وإعادة صياغة القصر بحيث يصبح منارة ثقافية وخاصة لأن القصر يحتوى على بدروم يمكن تحويله إلى متحف يحكى تاريخ هليوبوليس، بالإضافة إلى الدور الأول والثاني، وهو المكان الذي يمكن من خلاله تقديم خدمات ثقافية متصلة بالصياغة العلمية الحديثة أي يصبح المكان منارة للتكنولوجيا والثقافة، ويمكن أن يستعمل السطح لإقامة ندوات وحفلات.. ومن الغريب أن المهندس البلجيكي الذي صمم القصر جعل لكل دور خصوصية - حتى يمكن أن يستقل عن الأدوار الأخرى.

وقد قام المجلس الأعلى للآثار بالاهتمام بالحديقة المجاورة للقصر وجعلها مكاناً رائعاً جميلاً، أشاد بهذا الجمال وزير خارجية بلجيكا وأنا أرافقه لزيارة القصر، وقد وجدنا أن الحالة الإنشائية للقصر من الداخل جيدة بل ورائعة ولذلك سوف يشترك معنا الجانب البلجيكي لإحياء العمارة القديمة.

ومن الغريب أنني قضيت داخل وخارج القصر حوالي نصف ساعة، وقد شاهدت كل عربات السياحة وهي في طريقها إلى المطار تقف للحصول على صور للقصر، بل والمصريين أيضاً، وعندما صرحنا بإقامة حفلات بحديقة القصر قضت على خصوصية مصر الجديدة الهادئة الجميلة، وأصبح هناك تلوث سمعي من إقامة هذه الحفلات؛ ولذلك قررنا أن نعيد للمنطقة الهدوء، لكى نسير في شوارع المدينة ونحن نحلم بعظمة هليوبوليس.. ونحلم بأن نرى قصر البارون إمبان يعود إليه جماله وهدوؤه ويصبح مركزاً ثقافياً لمدينة الشمس.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة

إله الشر.. مازال حيا يرزق

الخميس، 24 يوليو 2025 01:48 م

السياحة هى الأخت الشقيقة للآثار

الخميس، 10 يوليو 2025 11:00 ص