لا يكاد يمر يوم دون أن تنقل وسائل الإعلام خبرًا عن حادث مروّع بطله شاحنة نقل ثقيل، غالبًا ما تكون الحصيلة مزيجًا من الضحايا والإصابات والخسائر المادية. وبينما يُلقى اللوم غالبًا على السائق، فإن الحقيقة أكثر تعقيدًا وتشير إلى منظومة متشابكة من الأسباب تتطلب تدخلًا شاملاً، وأبرزها ضرورة تشديد الرقابة على الطرق لضبط المخالفات المرورية وتجاوز السرعة وعمل أكمنة لتحليل تعاطى المخدرات للسائقين وخاصة مركبات النقل الثقيل.
تشير الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نحو 40% من الحوادث المميتة على الطرق السريعة في مصر تتورط فيها مركبات النقل الثقيل. وفي 2023، تم تسجيل أكثر من 7000 حادث طريق، منها نسبة كبيرة ناتجة عن حافلات أو شاحنات كبيرة، خصوصًا في مناطق مثل طريق القاهرة – أسيوط، والدائري الإقليمي.
تحليل أسباب الحوادث
1. العامل البشري (السائق):
* الإرهاق الناتج عن طول ساعات القيادة.
* تعاطي المواد المنبهة أو المخدرة للهروب من الإرهاق.
* قلة التدريب المهني الحقيقي على القيادة الآمنة.
* عدم الالتزام بإجراءات الصيانة الدورية للمركبة.
2. البنية التحتية للطرق:
* سوء التخطيط الهندسي لبعض الطرق.
* غياب مناطق الاستراحة المنظمة للسائقين.
* نقص إنارة الطرق السريعة وضعف الإشارات التحذيرية.
3. الثقافة المؤسسية والتشريعية:
* عدم وجود عقوبات رادعة في بعض الحالات.
* غياب الرقابة على شركات النقل الخاصة.
* الحمولات الزائدة التي تؤثر على توازن الشاحنة وسرعتها في التوقف.
: مقترحات للحل
1. نظام متكامل للتدريب والترخيص:
* إعادة هيكلة منظومة استخراج رخص النقل الثقيل.
* إدراج دورات إجبارية عن "القيادة في الظروف الطارئة" و"إدارة الضغوط".
2. رقمنة تتبع المركبات:
* إلزام جميع شاحنات النقل الثقيل بتركيب أجهزة تتبع GPS وربطها بغرف مراقبة المرور.
* مراقبة سرعة الشاحنة وتحديد فترات التوقف والراحة.
3. إجراءات تنظيمية وتشريعية:
* تطبيق عقوبات مشددة على الحمولات الزائدة.
* ربط الترخيص السنوي بإثبات إجراء الصيانة الدورية.
* فرض حد أقصى لساعات القيادة اليومية (6-8 ساعات) وفقًا للمعايير الدولية.
4. تحسين بيئة العمل للسائقين:
* إنشاء مناطق استراحة إجبارية مجهزة على الطرق السريعة.
* تحسين نظام الأجور والحوافز المرتبط بالسلامة وليس بالسرعة أو عدد الرحلات.
5. رفع الوعي المجتمعي:
* حملات توعية للسائقين والمواطنين حول مخاطر النقل الثقيل والتعامل معه على الطرق.
* إدماج الثقافة المرورية في المناهج الدراسية.
إن الحد من حوادث النقل الثقيل لا يكمن في لوم السائق وحده، بل يتطلب رؤية شاملة تعترف بأن السائق جزء من منظومة تحتاج إلى إصلاح عميق. إنقاذ الأرواح لا يجب أن يكون صدفة، بل نتيجة لسياسات واعية ومسؤولة تعلي من قيمة الإنسان والأمان.