حذرنا من قبل من سردية أن «جماعة الإخوان اختفت ولم يعد لها وجود»، مقولة حقيقية أريد بها باطل، فالشعب المصرى طرد الجماعة من المشهد العام، فى 30 يونيو 2013 وأُلقى القبض على القيادات والأعضاء المتورطين فى التخطيط والتنفيذ لعمليات إرهابية، وارتكاب جرائم الاغتيال وإثارة الفوضى، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن، ولكن تبقى رؤوس الفتنة فى الخارج، والخلايا النائمة فى الداخل، فالقضية ليست فى إزاحة «الأجساد» عن المشهد العام ولكن فى «الفكر العفن» الذى يسكن العقول، ويحتاج ذلك إلى جهد مضنى لتصحيحه، فى ظل أن الجماعة عمرها قرن من الزمان، وصارت لها أدبيات راسخة، أبرزها الولاء والطاعة العمياء، ما يُصعب من القضاء على هذه الأفكار الهدامة.
جماعة الإخوان حاضرة، انتقلت من العمل فى العلن، إلى العمل السرى، وهو نهج للجماعة، عندما يتراجع نفوذها، وتتكشف أفكارها البالية، فتلجأ إلى التركيز على فكرة المظلومية والاضطهاد، وتصوير أعضائها كضحايا، وتروج لهذه المظلومية فى خطابها السياسى والإعلامى.
تأسيسا على ذلك، فإن سردية الجماعة بأنها اختفت ولم يعد لها وجود، مصيدة كبرى، وتنويم مغناطيسى للمجتمع والدولة، بحيث تنصرف عنهم الأنظار، فتعيد نشاطها إلى ما قبل 2011، أى بعد عشر سنوات من الانتقال من فوق السطح بنوره، إلى الأنفاق تحت الأرض بظلامه، من خلال محاولات تجنيد وجوه جديدة، من صغار السن، وتغير الاستراتيجية وفق معطيات ومتغيرات المشهد العام برمته!
ومن المعلوم بالضرورة، أن الجماعة بارعة فى العمل «تحت الأرض» وفى الأنفاق، والعيش فيها بأريحية ومتعة، فى مرحلة يطلق عليها «الكُمون» والتى تستمر على الأقل عقدا من الزمن، بعدها تبدأ فى إعادة نشاطها من جديد، مثل الخلايا السرطانية، سرعان ما تعود، مستغلة إهمالا هنا ينتج عنه حريق، أو تكاسلا هناك، ينتج عنه وقوع حوادث تثير شجون المواطنين، فتوظف هذه الأحداث لإثارة البلبلة واللغط.
كما أن الجماعة، لا تضع خطوطا حمراء فى عملية البحث الدؤوب عن تحقيق مصالحها، ولو تطلب الأمر الارتماء فى أحضان إبليس، وتنفيذ مخططات كل أعداء الأمة، المهم أن تحقق مآربها من الوصول للحكم، فالجماعة، وقولا واحدا، تتبع لولاية الأمر التمويلى والسياسى «تتفرعن» على الوطن، بينما تُقبل أيادى وأقدام من تأتمر بأمرهم، ولم تكن يوما نصيرة للوطن، ومدافعة عنه وعن مقدراته، بل هو فى دستورها مجرد «حفنة تراب عفن» ولم تكن يوما زاهدة فى مطامع دنيوية كالمال أو الحكم، وإنما دستورها الكذب والغش والخداع، والتجارة بالدين، فى أبشع صورها الاستغلالية والاحتكارية!
وفى ظل وضع متأجج والمخاطر الجسيمة التى تحيط بمصر من كل الاتجاهات، وفى القلب منها الاتجاه الشمال الشرقى، وما يُحاك للمنطقة من تغيير فى البنية الجغرافية، والتلاعب بالخرائط، فإن الجماعة تنشط وتوظف هذه الأحداث لإثارة الفوضى، وبدلا من أن تقف فى خندق الوطن للدفاع عنه ضد العدو الأول للأمة، فإنها تساعده فى تنفيذ مخططاته بكل إجادة واتقان، فى مقابل أن تصل للحكم حتى ولو على أنقاض الوطن!
الجماعة هذه الفترة تلعب دور«خنفس باشا» وهو اللقب الذى أطلق على الضابط المصرى «على يوسف»، وهو أحد الضباط الذين خذلوا أحمد عرابى فى معركة التل الكبير، وتسببوا فى هزيمة فادحة للجيش المصرى، واحتلال الإنجليز لمصر.
واقعة الخيانة بدأت يوم 12 سبتمبر 1882، وهو اليوم السابق لمعركة التل الكبير، عندما أرسل على يوسف رسالة إلى الزعيم أحمد عرابى يبلغه بأن الإنجليز لن يتحركوا فى ذلك اليوم، فأعطى عرابى أوامره للجيش بالخلود فى الراحة، استعدادا للمعركة فى اليوم التالى، فى الوقت الذى تحرك فيه القائد الإنجليزى ووصل بعد منتصف الليل، وأخلى على يوسف «خنفس باشا» الطريق لمرور الإنجليز، ووضع لهم الفوانيس على المسالك التى يمكن السير فيها بيسر، وفى فجر 13 سبتمبر وقعت الهزيمة القاسية للجيش المصرى فى التل الكبير نتيجة الخيانة.
وفى يوم 15 سبتمبر وصل الإنجليز منطقة العباسية، ومنها ساروا إلى القلعة التى كانت تضم 4 آلاف جندى، وهناك سلم خنفس باشا مفاتيحها للإنجليز.
الخلاصة أن جماعة الإخوان تلعب حاليا دور «خنفس باشا» من خلال ما أعلنته حركة حسم، أو ما يمارسه رجالها الذين يسكنون ويعششون فى معظم المؤسسات.
أيضا من خلال ذبابهم الإلكترونى المسيطر على مواقع التواصل الاجتماعى، ويحاولون إثارة الفتن، لذلك ننصح الشعب المصرى بكل طوائقه، أن يرفعوا منسوب الوعى، وعدم الانسياق وراء الفتن، وإثارة البلبلة فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن.