الشواهد والوقائع السياسية والأمنية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية داخل مصر ومحيطها الإقليمي كانت تؤكد بالضرورة التاريخية والحتمية حاجة مصر والشعب المصري الى ثورة 30 يونيو 2013.
عام واحد فقط كان كافيا لتعرية حكم تنظيم جماعة الاخوان بعد الفشل بامتياز وادراك الشعب بأنها جماعة غير مؤهلة لإدارة دولة بحجم وقيمة مصر.
عام من الأزمات والصراعات والانحدار، عانى فيها الناس من مصاعب اقتصادية حتى أوشكت البلاد على الإفلاس في حكومة هشام قنديل، وأدت طوابير العيش والوقود وأنابيب البوتاجاز الى حد الاقتتال، أصبح انقطاع التيار الكهربائي بالساعات أمر طبيعي...محاولات أخونة الدولة أدى الى صدام مرير بين مكتب الارشاد الذي يحكم باسم مندوبه في الرئاسة وباقي مؤسسات الدولة، مع القضاء والاعلام والمثقفين والشرطة والمؤسسات الأمنية الوطنية العريقة ومع الأزهر والكنيسة والأحزاب والقوى السياسية.. لأول مرة في تاريخ الكنيسة الوطنية المصرية أن يهاجمها الاخوان ويحاولون اقتحامها. حوصرت المحكمة الدستورية.. ومدينة الإنتاج الإعلامي واعتدى عناصر من الجماعة الإرهابية على المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة...حاولت الجماعة التخلص من شيخ الأزهر بواقعة تسمم الطلبة في المدينة الجامعية... محاولة تنفيذ مخطط تأسيس الدولة الإسلامية لحماس في سيناء وفقا للخطة الأميركية- كما جاء في مذكرات هيلاري كلينتون- والسعي للتنازل عن حلايب وشلاتين.. زرع الفتنة بين المسلمين والمسيحين بإعادة الوجوه الكريهة لجماعات التكفير وتصدرها المشهد السياسي والإعلامي.. وبين السنة والشيعة وقتل الدكتور حسن شحاتة بالسحل في الشارع وتغيير الهوية الثقافية والحضارية المصرية...دعوة قتلة الرئيس السادات الى احتفالات أكتوبر في مشهد استفز الشعب المصري ثم الطامة الكبرى بمحاولة الصدام مع الجيش وقياداته وتأسيس جيش مواز من التنظيمات الإرهابية الموالية للجماعة... وتصاعد العمليات الإرهابية ضد القوات المسلحة في سيناء.
كانت هذه هي تقريبا الصورة البانورامية القاتمة والبائسة والمشهد الحزين في مصر في عام استيلاء الاخوان على الحكم في مصر. استحكمت الأزمة وادت من استحكامها تحصين مندوب الاخوان في الرئاسة لقراراته بالإعلان الدستوري...حاول العقلاء اقناع مكتب الارشاد باجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتهدئة الأوضاع الملتهبة في الداخل.. ورفض الاخوان وأعلن " مرسي" الحرب على الجميع.. وضربت الجماعة بالتحذيرات والنصائح بالجلوس الى القوى الوطنية بعرض الحائط... ثار المصريون خوفا على الوطن وحماية حريته واستقلاله والحفاظ على أرضه واستجابوا لصرخته واستغاثته.. تدفق الملايين الى الشوارع وأعلن الجيش مساندته ودعمه ووقوفه الى جانب الملايين من المصرين ضد حكم الاخوان ومكتب الارشاد.. جاءت ثورة الإنقاذ في 30 يونيو ضرورة حتمية، فالأوضاع لم تعد تحتمل أكثر من ذلك.
السنوات التالية 30 يونيو أثبتت وأكدت ضرورتها التاريخية في إزاحة الاخوان من حكم مصر ..التخيل بأن الاخوان لو استمروا – لا قدر الله- حتى الآن في الحكم فماذا كان قد حدث أو يحدث.. كان من الطبيعي قبول مخطط التهجير الى سيناء وتفريغ قطاع غزة من سكانه.. والتنازل عن غزة وتفكيك الجيش وتكوين ميليشيات إرهابية وتقسيم البلاد.
القائد الذي حمل روحه على كفه فداء للوطن واستجاب لنداء الشعب المصري لإنقاذ الوطن من براثن الإرهاب ( انزل يا سيسي مرسي مش رئيسي) قدم على الفور خارطة طريق لاستعادة مصر وروحها المشرقة ووجهها المضيء من جديد.. وبعدها بعام تقريبا يستعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي الخطة الكبرى بالحلم بدولة جديد وبجمهورية جديدة . ..تحارب الإرهاب وتبني الوطن.
والآن وبعد مرور 12 سنوات على ثورة 30 يونيو، الصورة تغيرت تماما. يمكننا القول أن مصر شهدت تحولات جذرية في مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بإطلاق المشروعات القومية الكبرى بداية من قناة السويس الجديدة والقضاء على العشوائيات والمناطق الخطرة وانشاء المدن الجديدة واطلاق مبادرة 100 مليون صحة وحياة كريمة ..واطلاق أضخم مشروع للطرق والجسور والكباري والمحاور العرضية للتنمية.. وتبنى برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتوازي مع برامج الحماية الاجتماعية.. وتسليح الجيش بأحدث الأسلحة والمعدات. وتطوير الموانئ والمطارات والبحيرات وزيادة المساحات المنزرعة الى حوالي 10 ملايين فدان ستصل خلال عامين الى حالي 14 مليون فدان. وتوطين الصناعة بتأهيل المصانع القديمة وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة وعودة صناعات السيارات والدواء والغذاء بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتحسين معيشة المواطنين.
ثورة 30 يونيو كان لها دور كبير في تحويل حلم المصريين لواقع ملموس و أنقذت البلاد من مخاطر الفوضى والانقسام .ومع ذلك، فإن بعض التحديات لا تزال قائمة. لكن بعزيمة المصريين وصبرهم وجلدهم، يمكن تجاوز هذه التحديات وبناء مستقبل أفضل لمصر، فالحلم مستمر في الجمهورية الجديدة.