عصام محمد عبد القادر

علمتني الحياة

الإثنين، 23 يونيو 2025 05:00 ص


علَّمتني الحياةُ ألا أنظرَ إلى الخلف؛ فأتعثرُ، وألا أتوقفَ عند ألم قد مضى، وألا أعاودَ ممارسات قد ثبت فشُلها من قَبل، وألا أصبحَ حقلًا لتجارب الآخرين، وألا أقعَ في مصيدةً للاستغلال، والاحتيال ممن توافرت لديهم النَّوايا غير السَّويَّة، وألا أقفَ أمام باب قد أُغلق، وأن أتركَ كل مشكَّكٍ يثير الحيْرة في النَّفس، ويُضْعف العزيمة، ويقلّل من الجهد، وأن أهجرَ موطنًا قد أضحى مسرحًا للفتن، وأن أصنعَ قرارًا بعد مُدارسةٍ، تقوم على عُمْق الرُّؤى، وصحّة المسار؛ كي أدافعَ عمَّا أتَّخذ، ولا أتراجعُ عن تحقيق المرامي المنشودة، التي رسمْتَها سيناريوهاتٌ مضيئةٌ، تحمل في طياتها آمالي، وطموحاتي، وتطلُّعاتي المشروعة.


تعلَّمت من الحياة النَّظرة بعين اليقين، وليس بعين الانْبهار؛ ففي الأُولى أرتكنُ إلى معرفة صحيحة، وبنى قويمة، وعظةٍ تتأتي من خبْرة قد حكم عليها الواقعُ، وفي الثَّانية تصبح مغرياتُ النَّفس حاجبةً لما وراء الطبيعة، وما يشْمله المضمون؛ فتتوق إلى كل ما يحدث بريقًا، وما قد يلفتُ الأنظار، وهنا قد أدركتُ أن بُوصْلة الحياة، لا تُحيّر وجدانًا، يحمل الخير، وترّبى على العطاء، وأن المسْعى الحميد، يؤدي إلى طريق قويم، نتشَّبعُ من مسافته جرعاتٍ من الرضى؛ ومن ثم تسْتقرُّ النَّفس، ولا تسْتهويها مطامعُ، غير مشروعة، ولا تلجأ إلى الحيلة من أجل نيْل الأماني، بل تتحرَّى المصداقية في الخُطى؛ لتصل بجدارة إلى ما تصبو إليه.


أيقنتُ أن الانْدماجَ مع الآخرين يُعدُّ مطلبًا يُشْبع لدىّ رغبةَ الانفتاح الفكريّ، الذي اسْتقى منه طيْفَ خبراتٍ، لم تُسَّطِرُها الكتب، ولم تتعرضْ لها أقلام، من ذي قبل، فخلفيات، وخبرات الآخرين زاخرة بمعانٍ، تفوح منها عطور، ونسائم ننتقى منها ما يتناغم، وينسجم، وتراكيبنا المُتفرّدة، التي وهبنا اللهُ إياها؛ ومن ثم أدركتُ أن الباب مفتوحٌ على مصْراعيه، وما علىّ إلا أن أتجول في خواطر الطيّبين، وأجالس منْ يمتلكون الخصال الحميدة النبيلة؛ لأتجرعَ منهم عبق النَّصائحَ، التي تُنير طرائق الحياة، وتُسهم في تعزيز الخُطى نحو الهدف الصائب، المصوّب، وتحمينا من عثرات، قد لا تساعدنا الأنظار على الكشف عنها؛ نظرًا لزّخم متغيرات الحياة المفعمة بالأحداث، التي تتزايد وتيرتها على الدوام.


أدركتُ أن الانتصار في المواقف يعتمد على القدرة على التحمُّل، التي تتزايد من رغبة جامحة؛ للاستماع إلى أصحاب الألباب؛ فهذا مِفتاحٌ ذهبيٌّ لمن يرغب في الفهم العميق؛ كي تتواتر الأفكار المُلْهمة، التي تغيّر مجرى الحياة إلى أفضلها، وعبر منبر التَّقدير، والاحترام للآخرين نستطيع أن نتجاوز شتَّى الخلافات، ونصل إلى نقاط التوافق، والاتفاق، التي تعزّز من صور العلاقات، التي أضارت بها قناعات ذاتية قامت، أو استندت على فلسفة الجدل العقيم، وإن انبرت على شواهد، وأدلة أقنعت صاحبها دون غيره بصحة الرؤى والمسار؛ فأيقظته على ضفاف الفراغ؛ حيث فقد الصحبة، والصاحب في آنٍ واحد.


تنامت لدىّ القناعة بأن جسور المحبة يصعب تدْشينها، بعيدًا عن غرْس بذور الودِّ، وتقبّل الآخر، وتجنّب التسفيه، أو التقليل منه؛ فلدى كل البشر ما قد ينفع، ويضير، وهنا أقول بلسان مبين إنّ مقْدرتنا على النّزاعات، والخلافات فيما بيننا تنْبري على مرونة التفاوض، والإيثار في إرضاء الآخر، بما لا يُضير بحقوق الآخرين، ولا يدفع به إلى المزيد من الغرور، والتكبر؛ ومن ثم أُقرُّ بالسَّعادة في صورة العطاء اللامحدود؛ فما ينبغي أن نتوقف عن دروب الخير مهما تعرّضنا إلى سلبيات، أو نقد يُوجّه إلينا.
جمال الحياة في دعم متبادل صادق، لا يقوم على منفعة بحتة؛ لكنه يؤسس على خلق قويم، أساسه الدعوة للخير، وإطلاق مشاعر الإنسانية؛ لتصبح غالبة في عالم بدت النَّفعيّة فيه هي الحاكم؛ ومن ثم فقدُ الروابط الإنسانيّة، وتكوّنت الأغلال، والأحقاد، وصار الغدرُ له أبواب، يصعب حصْرها، وهنا نخْشى أن تُغْلقَ منابر الحكمة، وتُسْتبدلُ بأبواق تحضُّ على مُتلّون الشُّرور؛ فتندفع الأنفس نحو شهوات، وملذات تفقدها ماهية الحياة في إطارها الطبيعيّ، الذي يحثُّنا على فلسفة الاستخلاف.


حُلْو الحياة أن نمتلك المرونة، التي تجعلنا نتقبل صدمات، ونوازل الطبيعة برضىً تامٍ؛ فتحْيا لدينا العزيمة، وتُقوّى الإرادة، وتصبح المثابرة من الاتَّصاف القيميِّ، الذي نحوزه، وهنا تتنامى لديْنا الرغبةُ في بلوغ التَّميُّز من خلال بوابة إتقان العمل.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب





الرجوع الى أعلى الصفحة