خالد دومة يكتب: نزار قباني والعزف بالكلمات

الأربعاء، 07 مايو 2025 02:15 ص
خالد دومة يكتب: نزار قباني والعزف بالكلمات خالد دومة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ذلك الشاعر الذي يلتقت المعاني من الطرقات والشوارع، المعاني التي يراها العامة والخاصة، فلا يلتفت إليها أحد، ولا يطيل النظر إليها، فيلتقتها ويلبسها أرق الكلمات، فإذا بالكلمة قصيدة، وإذا بالقصيدة أغنية، وإذا بالأغنية سهام مصوبة نحو القلب، وإذا بالقلب غرفات مفتحتة الأبواب والنوافذ، فتصيبه في أركانه، فتتصدع جدرانه طربا، فتنتشي وترقص على أنغامه، فهي كلمات بسيطه، وألحان بسيطة، تنفذ بلا هوادة، وبلا استئذان من رقتها وبساطتها، فأنظر إلى أي قصيدة من قصائده، فإذا هي مواقف مرئية طيلة الوقت، تقابلنا صباح مساء، فيأخذها وينفض عنها التراب، ويلبسها ثوب قشيب من الحروف والكلمات.... منذ ديوانه الأول وهو يلبس المعاني أفضل الأزياء، وأعمق المعاني، فطفولة نهد هو ديوانه الأول، وقصيدة من قصائد الديوان، فكل يرى النهد الصغير فتثير فيه أشياء، أو يسرح به الخيال ويطوف في عالمه، أما هو فيرى له طفولة تبعث في نفسك الرحمة والعطف، ولا تثير مكامن الشهوة، فإذا بك أمام البراءة فتنحو وتشفق وترعى، حتى لو ملكتك الغرائز فأنت في رحاب الحب، الذي يفيض على الوداعة، فلا ينهر أو يتملكه غريزة، تنسيه أنه أمام طفولة، حتى لو كانت فيها خميرة أنثى، فهي تحتاج إلى الرعاية، فلا تنظر إليها تلك النظرة المشحونة بالجنس تجاهها ...فهو يمسك بزمام الكلمة ليصنع لحن، فالقصيدة عنده لحن عوده الكلمات، التي يصغي منها أوتاره، وعليها يعزف، حتى في أحاديثه العادية ولقاءاته العابرة، حين كان يتكلم يأبى إلا أن يكون نزار، فهو أيضا يتحدث بالشعر وباللحن، في نبرته وصوته ونطقه للكلمات، في حديثه عن بيته وحياته الشخصية، فهو فُطر على صياغة الحياة بأكملها كأنها قصيدة طويلة، سهلة الإيقاع، عميقة التأثير، تخرج من قلبه لتستقر في القلوب برنينها، فتنطبع وتملك حيزا منه، وهي تزيين الحياة على الجملة، فتصطبغ بلون الربيع، فلا فصول إلا الربيع، بكل ما يحمل من أوراق وزهور وروائح تملأ الأنوف، فتُسكر العقول برحيقها، فشتائه ربيع، وصيفه ربيع، وخريفه ربيع ...فكلماته لها قوام أنثى، وعيني أنثى، ورائحة أنثى، ودبيب على أرض القلوب، تعلن بصوت لحن لا ينقطع عن أذن عاشق متيم ...فالحياة حين تراها على أجمل ما تكون، في تلك المرأة الناهد الفتية الممتلأ شبابا وحيوية، فهي الدنيا، بكل ما تحمل من زينتها، فلا يشيء يسبقها، وهي إن جاءت، فلا ينتظر شيء بعدها، وإن ضل فهو دائم البحث عن الحياة، في ظل أنوثة تحملها على أنفاسها من طين الأرض إلى نجوم السماء، حيث النور والجمال، حين تتألق فوق الجسد، بروح يطوف بها الدنيا فيرى أروع ما يرى ..أنه شاعر المرأة، لأنه شاعر الجمال، شاعر الحب يحمله في قلبه، وفي يده باقة من ورود يطوف بها على القلوب والأسماع، فينبه الغفلى، ويوقظ النائمين، ويطرق بعصى قصائده السحرية أبوابها، فإذا هي أسيرة مقيده بأحاسيس ومشاعر غاية في الرقة.....فهي القصيدة وهي اللحن وأروع ما وهبه الله، وهي انعكاس لجمال الكون كله.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة