ترتبط الأزياء بالهوية المصرية، فكلما حافظ المجتمع على أزيائه القديمة كلما عبر بشكل أساسي وواضح عن هويته الثقافية القديمة وتأثره وارتباطه به، وهناك عدد كبير من المثقفين والمختصين في التراث الشعبي القديم الذين قدموا اهتماما بالغا حول أهمية الأزياء المصرية القديمة وارتباطها بالهوية المصرية، حيث تواصلنا الدكتورة علا الطوخي إسماعيل، والتي تحدثت عن أهمية الأزياء وكيفية الحفاظ على الهوية المصرية القديمة والحفاظ على الأزياء من خلال عدد من الطرق المختلفة.
قالت الدكتورة علا الطوخي إسماعيل، المدرس بقسم الملابس الجاهزة وصناعة الموضة كلية الفنون التطبيقية جامعة طنطا، إن الأزياء الشعبية سجل تاريخي تقرأ فيه الخطى التي مرت بها الإنسانية، تشبه المخطوطات المتحولة بأسلوب فني مزخرف ومجمل بالزخارف والحليات التي لها من المعاني والدلالات ما يجعلها تقي مرتديها من كل العوامل الخارجية وكأنها أحجبة، فكما تنقش بعض الحضارات تاريخها على الصخور هناك حضارات أخرى تسجل أمجادها في تفاصيل تحكيها الملابس والاكسسوارات، ترى في الثياب الاسراف والبذخ فتعرف كيف كان مرتديها، وترى في بعضها الغلظة والخشونة، تحكي عن أجسام من سكنتهم وتعرف بها عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم التي لا تحكى، وتعد الأزياء الشعبية المصرية مرآة حقيقية للهوية، تعكس تنوعها وثراءها الممتد عبر العصور، ففي كل قطعة نسيج، وفي كل تطريزة أو لون، نلمح ملامح البيئة التي نشأت فيها، ونشم عبق الأرض التي غُزلت عليها.
وتابعت الدكتورة علا الطوخي في تصريح خاص لـ "اليوم السابع" في إطار الملف الذي أعده اليوم السابع بعنوان "أزياء مصرية.. نسيج وهوية"، أن الزي الصعيدي يحكي عن وقار الجنوب وأصالته، والزي النوبي يغني بألوانه عن بهجة النيل ودفء الجنوب، بينما تحمل الأزياء الريفية نقاء الريف وبساطته، وتعكس كرانيشها وثناياتها حركة الطبيعة والخضرة والمياه، وتسمع ملابس المدن تهمس عن التأثر بالحضارات، والانفتاح على الحداثة، وبذلك تتحول الأزياء هنا إلى سجل بصري يحفظ اللهجة، والروح، والوجدان، فكما تحفظ اللغة اللسان، تحفظ الأزياء الذاكرة الجمعية للشعب، فتربط الحاضر بالماضي، وتمنح المستقبل جذورًا لا تنقطع.
وأضافت الدكتورة علا الطوخي أن المجتمع المصري مجتمع أصيل بطبيعته، يعرف قيمة تراثه ويقدّره، وهو ما يُحملنا مسؤولية كبيرة في الحفاظ على هذا التراث، خاصة في مجال الملابس والأزياء الشعبية التي تمثل جزء مهم من هويتنا، ودورنا يبدأ بالتعليم والتوعية، وذلك من خلال توجيه الطلاب في كليات الفنون، خاصة المهتمين بمجالات الأزياء والفنون البصرية، لكي يتعرفوا على تراثهم الشعبي ويتعلموا كيف أن يستلهموا منه في تصميماتهم.
وأوضحت الدكتورة علا الطوخي، أن الهدف ليس الرجوع بالشباب حتى يرتدوا الجلباب القديم أو الخلخال الشعبي كما هو، لأن ذلك سيكون صعب في سياق الحياة العصرية، لكن يمكننا أن نقدم لهم تصاميم حديثة مستوحاة من الأزياء التقليدية، والتي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتعبّر عن حضارات عظيمة بلغة موضة معاصرة.
ومن المهم أيضًا أن نوثّق ونحافظ على الأزياء الشعبية من خلال إنشاء متاحف كبيرة يكون القائمون على تسجيل الأزياء ووصفها فيها متخصصين، وتضم أزياء كل محافظة في مصر، سواء القطع من الملابس أو الحلي الموجودة منها أو التي اندثرت، وذلك بهدف أن نحتفظ بذاكرتنا البصرية ونصبح مصدر إلهام للأجيال القادمة.
وأكدت الدكتور علا الطوخي أنه يجب وجود تعاون بين المصممين وصناع الموضة المحليين حتى يمكننا تحويل العناصر التراثية إلى منتجات معاصرة قابلة للتسويق، كما أن للحملات الإعلامية والإعلانية دورًا لا يقل أهمية من حيث تسليط الضوء على روعة وأصالة الأزياء الشعبية، وبذلك يستطيع أن نُعرف المجتمع بها من جديد وننزع فكرة التبرء والجهل من الشباب بمعرفتها، وذللك بالإضافة إلى الأعمال الفنية التي يمكنها نقل الأزياء الشعبية في الدراما والسينما بشكل دقيق دون تحريف أو مغالاة خاصة في الأعمال التي تنقل صورة المجتمع الريفي أو الصعيدي الأصيل.