"زمكان".. حين تتحول الأسطورة إلى لحظة مقاومة

السبت، 17 مايو 2025 03:00 ص
"زمكان".. حين تتحول الأسطورة إلى لحظة مقاومة رنا خالد في دور "أمنا الغولة"

محمد عبد الرحمن

في عرض "زمكان" الذي افتتح به مهرجان إقليم شرق الدلتا فعالياته على خشبة قصر ثقافة الزقازيق، قدمت فرقة الزقازيق مغامرة درامية لافتة تجمع بين التراث الشعبي والتأمل الفلسفي في الزمن والهوية، والعرض من تأليف محمد علي إبراهيم، وإخراج محمود عمران.

ويقدم تجربة مسرحية تستحق التوقف أمامها، ليس فقط من حيث الموضوع، بل من حيث الحضور المسرحي والبصري للممثلين، وفي مقدمتهم الفنانة الشابة رنا خالد التي جسّدت دور "أمنا الغولة" بأداء استثنائي كشف عن إمكانات كبيرة في ترويض الأسطورة لصالح المعنى.

يتخذ العرض من "مخزن الحواديت" نقطة انطلاق رمزية، حيث ينطلق البطل "دحلاب" بمرافقة الراوي "نوال" في رحلة بحث عن "حدوتة لها حبكة"، رحلة تتجاوز سرد الحكاية إلى مساءلة علاقتنا بالزمن والتاريخ والهوية، عالم "زمكان" الذي تدور فيه الأحداث ليس فقط تركيبة خيالية من الماضي والمستقبل، بل هو استعارة مقلقة عن حاضر مهدد بفقدان ذاكرته.

في قلب هذا العالم، تبرز شخصية "أمنا الغولة" التي تؤديها الفنانة رنا خالد بجرأة واضحة في مقاربة الموروث الشعبي من زاوية درامية مختلفة، بدلاً من تقديمها ككائن مرعب محض، تعيد رنا صياغتها كتمثيل درامي للخوف المكبوت والموروث من جيل إلى جيل، هي ليست مجرد "غولة" كما اعتدنا في القصص، بل معادل رمزي للقمع التي يهيمن على الذاكرة ويعيق الحكاية من أن تُروى بحرية، ببراعة أدائية تجمع بين الأداء الجسدي والصوتي، وتنجح رنا خالد في أن تجعل من لحظات ظهور "أمنا الغولة" لحظات استثنائية، يتوقف فيها الزمن داخل "زمكان"، ويتحول الخوف فيها إلى سؤال مفتوح على التأويل.

الإخراج استفاد من الإمكانيات الرمزية التي تمنحها هذه الشخصيات، لكنه لم يقع في فخ المباشرة، على العكس، نُسجت المشاهد في تنقلاتها بين السجن والغابة وشجرة الجميزة بذكاء بصري، ساعد فيه تصميم شاكر خليل للديكور الذي اختار أن يعبّر عن تعددية الأمكنة من خلال عناصر مسرح ظل وسيلويت وأشكال مستوحاة من هيئة الكتب، ما منح العرض بعدًا بصريًا مكملاً لخطه السردي.

كذلك لا يمكن إغفال الإضاءة التي صممها حسين علي، والتي كانت شريكًا فعليًا في بناء إيقاع العرض. إذ ساهمت في توليد مناخات متوترة حينًا وعبثية حينًا آخر، وخاصة في لحظات ظهور الشخصيات المأخوذة من الذاكرة الجمعية كـ"أبو رجل مسلوخة" و"النداهة"، إلى جانب "أمنا الغولة"، والتي تكاد تكون الثلاثي الذي يمثل وجوه الرعب الشعبي المتجذر.

لكن ما جعل "زمكان" عرضًا جيدًا في هذا السياق، هو أنه لم يكتفِ بإحياء التراث أو محاكاته، بل اتخذ منه وسيلة لمساءلة حاضر تتلاشى فيه المعاني وتُنسى فيه الحكايات، في عالم مهدد بفقدان الذاكرة، تصبح "أمنا الغولة" التي أدتها رنا خالد ببصيرة فنية لافتة، ليست فقط تذكارًا لمخاوف الطفولة، بل وجهًا آخر لواقع لا يُراد لنا أن نرويه.

العرض المسرحي زمكان
العرض المسرحي زمكان
 
رنا خالد في دور أمنا الغولة
رنا خالد في دور أمنا الغولة



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة


الرجوع الى أعلى الصفحة