قبل 120 عامًا، لم تكن الصحراء الممتدة شرق القاهرة سوى أرض قاحلة، حتى جاء البارون البلجيكي إدوارد إمبان يحمل حلمًا مختلفًا، أن يبني ضاحية أوروبية الطابع في قلب الشرق، تجمع بين جمال المعمار، وسحر الطبيعة، وروح الحداثة. هكذا وُلد حي مصر الجديدة، أو هليوبوليس، ليصبح أحد أجمل الأحياء وأكثرها تميزًا في تاريخ العمارة والتخطيط العمراني في مصر والشرق الأوسط.
مع مرور الزمن، تحول الحى إلى مسرح نابض بالقصص، فضم قصورا مهيبة احتضنت ملوكا ونبلاء، وشوارع تنفست الأدب والفن، وذاكرة عمرانية وثقافية لا تزال تنبض بالحياة حتى اليوم، وفى ذكرى مرور 120 عاما على ميلاد هذا الحى العريق، نعود إلى الحكاية من بدايتها، نستعرض ملامحه، معالمه، وسكانه الذين صنعوا منه تحفة خالدة تستحق التأمل والاحتفاء.
ويظل حى مصر الجديدة أكثر من مجرد ضاحية عمرانية راقية، إنه فسيفساء من التاريخ والمعمار والفن والثقافة، حى جمع بين عبقرية التصميم الأوروبى وروح الشرق.
هو ليس مجرد ذكرى، بل حى ينبض بالحياة، يروى تاريخه فى كل زاوية وكل مبنى وكل شجرة، ويبقى شاهدا على قرن من التحولات والأحلام، وقصة حب أزلية بين المكان والذاكرة.
الأهمية الجغرافية
تتجلى الأهمية الجغرافية لمصر الجديدة فى كونها البوابة الشرقية للعاصمة وأحد مداخلها الأساسية، فهى أول ما يراه القادمون من الخارج لوجود مطار القاهرة الدولى بها، كما تمثل منفذا رئيسيا للعاصمة من جهة مدينتى الإسماعيلية والسويس.
ومنذ نشأته، حظى بوضع مجتمعى خاص، حيث أُسست له شركة إسكان مستقلة، وتم تشغيل خط مترو سريع لربطه بالقاهرة، مراعاة للتوسع العمرانى آنذاك، كما أُنشئت له شركة كهرباء خاصة، واحتضن أول فندق عالمى فى المنطقة وهو فندق «هليوبوليس بالاس».
البارون الذى عشق مصر
أما البارون إدوارد لويس جوزيف إمبان، فهو مليونير بلجيكى الأصل، قدم إلى مصر وسرعان ما استولى عشقها على قلبه، فوقع فى غرامها إلى حد الجنون، واتخذ قرارا مصيريا بالبقاء فيها حتى نهاية حياته، كما أوصى أن يُدفن فى ترابها حتى لو توفى خارجها، ليصبح بذلك مصريا حتى النخاع.
وُلد البارون إمبان فى 20 سبتمبر عام 1852، ودرس العلوم الهندسية فى بلجيكا، وبدأ حياته المهنية كرسام هندسى فى شركة التعدين «سوسيتيه ميتالورجيك»، وفى عام 1878، بدأ العمل إلى جانب شقيقه الأكبر البارون فرانسوا إمبان وبعض أفراد عائلته، وحققوا معا نجاحات باهرة وثروات ضخمة فى مجال إنشاء السكك الحديدية، بعد أن لاحظ أن شبكة المواصلات فى الأرياف كانت دون المستوى.
بعد تحقيق النجاح فى بلجيكا، توسعت أعمال شركاته لتطوير خطوط السكك الحديدية فى فرنسا، لا سيما مترو باريس، حيث نال على إثر هذه الإنجازات لقب «بارون» عام 1907، ونظرا لاعتماده المتزايد على البنوك لتمويل مشاريعه، قرر فى عام 1881 تأسيس مصرف خاص به لتمويل أنشطته الصناعية، والذى أصبح فيما بعد يُعرف بـ«البنك الصناعى البلجيكى».
وفى تسعينيات القرن التاسع عشر، وبعد عام 1890، توسعت شركته فى إنشاء خطوط الترام فى عدة عواصم أوروبية وغير أوروبية، حيث أسس خطوط سكك حديدية فى روسيا، والصين، والكونغو البلجيكية - التى كانت مستعمرة آنذاك - وكذلك فى القاهرة، كما أنشأت شركته العديد من شركات الكهرباء، التى كانت تزود تلك الخطوط بالطاقة، بحسب ما ذكره الباحث المهندس طارق بدراوى.
مدينة الشمس حلم فى الصحراء
تبدأ قصة البارون إمبان، المليونير البلجيكى الذى أصبح مصريا بالهوى والانتماء، عند وصوله إلى ميناء السويس قادما من الهند فى أحد أيام شهر يناير من عام 1904م، هناك سقط فى غرام الشرق، وتحديدا فى غرام مصر، أم الدنيا، ومن السويس، انتقل البارون إلى القاهرة، وكان هدف زيارته فى ذلك الحين، إلى جانب التعرف على بلد لم يره من قبل، تقديم عرض لإنشاء خط سكة حديد يربط بين مدينتى المنصورة والمطرية بمحافظة الدقهلية شرق الدلتا.
ورغم أن شركته لم تفز بعطاء تنفيذ المشروع - إذ رست المناقصة على شركة إنجليزية - فإن البارون لم يرحل عن مصر، بل قرر أن يمضى فيها بقية حياته، وكان طبيعيا لمن اتخذ مثل هذا القرار أن يبحث له عن مقر إقامة دائم فى البلد الذى أحبه، ولكن الغريب فى الأمر أن البارون اختار موقعا صحراويا بالقرب من القاهرة ليكون نواة لحلمه العمرانى.
فى عام 1905، خلال حكم الخديو عباس حلمى الثانى، عرض البارون إمبان على الحكومة المصرية فكرة إنشاء ضاحية جديدة شرق القاهرة، فى قلب الصحراء، وأطلق عليها اسم «هليوبوليس»، أى «مدينة الشمس»، وقد خصصت له الحكومة آنذاك نحو 6000 فدان لتنفيذ مشروعه، وجرى شراء الفدان بجنيه واحد فقط، لأن المنطقة كانت خالية تماما من أى مرافق أو مواصلات أو خدمات.
بدأ البارون إمبان بالفعل تنفيذ مشروعه، وفى عام 1906 افتتح أولى مشروعاته فى الضاحية الجديدة، ولكى يتمكن من جذب السكان إلى هذه الضاحية الوليدة، وبموجب اتفاقه مع الحكومة المصرية، قام بإنشاء خط مترو ظل يعمل حتى وقت قريب، وأُطلق عليه اسم «مترو مصر الجديدة»، وقد كلف المهندس البلجيكى أندريه برشلو، الذى كان يعمل آنذاك فى شركة مترو باريس، بإنشاء خط مترو يربط الضاحية الجديدة بوسط القاهرة.
وفى عام 1910، تم تنفيذ خط المترو، ومن الطرائف المرتبطة بهذه المرحلة أن نهاية خط المترو القادم من وسط القاهرة مرورا بميدان روكسى كانت عند شارع بغداد، فى الموقع المعروف الآن بميدان الكوربة، وكان المترو يدور عند هذه النقطة ليبدأ رحلة العودة إلى وسط القاهرة. وكان الكمسارى البلجيكى يصيح بالفرنسية «لا كورب» La Courbe أى «المنحني» أو «الدوران»، ومن هنا جاءت تسمية الميدان بـ«الكوربة».
بدأ البارون بعد ذلك فى إقامة المنازل داخل الضاحية الجديدة، واختار لها طرازا كلاسيكيا بلجيكيا، وأضاف إليها مساحات خضراء وحدائق غنّاء، وتميز المخطط العام لضاحية مصر الجديدة بشوارعها العريضة التى تصطف على جانبيها منازل لا يتجاوز ارتفاعها 4 طوابق، وتفصل مداخلها عن الشارع ممرات مزروعة بالحدائق على الجانبين.
ومن الشوارع المميزة فى الحى شارع السباق، الذى تتميز مبانيه بالطراز المعمارى السويسرى والبلجيكى، مع لمسات من فن العمارة الإسلامية، كذلك شارع العروبة، الذى يشتهر بوجود فيلات مكونة من طابقين فقط، ذات واجهات بيضاء، تحيط بها حدائق أنيقة.
ومن أبرز شوارع الضاحية أيضا شارع الأهرام وشارع إبراهيم اللقانى، اللذان يتميزان بوجود محلات تجارية راقية تحت البواكى، وهو طراز معمارى فريد يميز هذين الشارعين، ويختتم شارع الأهرام نهايته بكنيسة «البازيليك» الشهيرة، التى بُنيت بين عامى 1911 و1913، وصُممت على طراز كنيسة «آيا صوفيا» الشهيرة فى إسطنبول بتركيا.
ولأن الحلم لا يكتمل بلا خضرة، شُيدت فى عام 1949 حديقة «الميريلاند» التى أصبحت لاحقا واحدة من أكبر وأجمل الحدائق العامة فى العاصمة.
ولم تغب الثقافة والعلم عن الضاحية، فقد أُنشئت مكتبة كبيرة لهواة القراءة، إلى جانب وجود مجمع محاكم، ومستشفيات كبرى، ومدارس مرموقة بمراحلها المختلفة. وكأن المدينة صُممت لتكون حياة كاملة، وليست مجرد مكان للسكن.
وكانت ذروة فخر الضاحية هو الفندق الفخم الذى شيده البارون «فندق هليوبوليس القديم»، والذى لم يكن مجرد فندق، بل كان تحفة معمارية ومركزا لأهم الزوار ورجال السياسة والمال فى العالم. وافتُتح هذا الفندق يوم 1 ديسمبر 1910 بتصميمات البلجيكى أرنست جاسبار.
عاصر الفندق الحربين العالميتين، وشهد على لحظات مفصلية من التاريخ، وأقام فيه زوار من طراز خاص «المليونير الأمريكى ميلتون هيرشى، والاقتصادى الشهير جون بيربونت مورجان، والملك البلجيكى ألبرت الأول وزوجته الملكة إليزابيث».
ومع دخول مصر حقبة جديدة فى عهد الرئيس أنور السادات، تحوّل الفندق إلى ما عُرف وقتها باسم «قصر الاتحادية»، مقرا لاتحاد الجمهوريات العربية، قبل أن يصبح لاحقا، ومنذ ثمانينيات القرن الماضى وحتى اليوم، مركزا للقرار ومقرا لحكم البلاد، شاهدا على تحولات السياسة المصرية، من زمن الملوك إلى زمن الرؤساء.
قصر لا تغيب عنه الشمس
حين اتخذ البارون إدوارد إمبان قراره الجرىء بالإقامة الدائمة فى مصر، لم يكن يبحث فقط عن بيت يأويه، بل أراد أن يترك بصمة معمارية تليق برجل جاء من بلجيكا ليصنع لنفسه مجدا جديدا فى الشرق، وهكذا، بدأ فى تشييد قصر أصبح أيقونة خالدة فى قلب ضاحية مصر الجديدة، يقع على شارع العروبة، ويطل كذلك على شوارع ابن بطوطة وابن جبير وحسن صادق.
لم يكن القصر مجرّد بناء، بل عمل فنى معمارى صُمم ليكون أسطوريا، بحيث لا تغيب عنه الشمس فى أى وقت من اليوم، فتغمر أشعتها حجراته وردهاته كافة، وكأن الشمس نفسها كانت ضيفة دائمة فى هذا القصر، واكتمل بناؤه عام 1911، ليصبح من أفخم القصور فى مصر، إن لم يكن أندرها.
قصر ملكى.. لم يسكنه ملك
أُعجب الأمير حسين كامل، الذى لم يكن قد تولى بعد سلطنة مصر، بهذا القصر المهيب، وطلب من البارون شراءه، لكن البارون، رغم امتنانه، رفض البيع، ولعله خشى أن يثير الرفض حفيظة الأمير، فبادر إلى تكليف مهندسيه ببناء قصر مشابه أهداه له، وهو ما أصبح لاحقا قصر «السلطانة ملك»، زوجة السلطان حسين، ويُعرف اليوم باسم مدرسة مصر الجديدة الثانوية النموذجية للبنات، ويقع فى الجهة المقابلة مباشرة لقصر البارون.
بُنى القصر على مساحة 12.5 ألف متر مربع، وجاء تصميمه مستوحى من معابد «أنكور وات» فى كمبوديا ومعابد «أوريسا» الهندوسية، حيث نُحتت الشرفات الخارجية على هيئة تماثيل لفيلة هندية، وانتشر العاج فى الزخارف الداخلية والخارجية، أما النوافذ، فكانت تتحرك صعودا وهبوطا بين تماثيل هندية وبوذية، وكأن القصر كله ينهض ويهبط فى صمت أسطورى.
ومن أبرز ما فيه ساعة أثرية فريدة، يقال إنها لا مثيل لها سوى فى قصر باكنجهام بلندن، إذ لا تكتفى بعرض الوقت بالدقائق والساعات، بل تظهر أيضا الأيام والشهور والسنين، وتحاكى أطوار القمر ودرجات الحرارة.
تفاصيل فاخرة من العالم القديم
رغم فخامته، لم يكن القصر كبيرا فى عدد طوابقه، فهو مكوّن من طابقين وبدروم، يضم الطابق الأول صالة كبيرة و3 حجرات، اثنتان للضيافة، والثالثة خصصها البارون للعب البلياردو، أما الطابق العلوى، فكان يحتوى على 4 غرف للنوم.
أما البرج الملحق بالقصر فكان تحفة قائمة بذاتها تشمل 4 طوابق يربطها سلم حلزونى مزين بالرخام والصفائح البرونزية المنقوشة، ويمتاز بزجاج بلجيكى بلورى يسمح للرؤية من الداخل للخارج دون العكس.
وكان الطابق الأخير من البرج، هو ركن التأمل الخاص بالبارون، حيث اعتاد أن يجلس فيه وقت الغروب لاحتساء الشاى وسط صمت الحديقة الغنّاء، التى كانت تملأ محيط القصر بزهور ونباتات نادرة من كل بقاع الأرض.
نفق إلى الأبدية.. أسرار القصر
من بين أسرار القصر أيضا، ذلك النفق السرى الذى يربطه بالكنيسة المجاورة كنيسة البازيليك، والتى لا تزال قائمة حتى اليوم، ودفن فيها البارون إمبان فى 22 يوليو 1929، تنفيذا لوصيته التى أراد فيها أن يظل قريبا من قصره حتى بعد الموت.
من بيت أسطورى إلى معرض يحكى تاريخ الحى
بعد أن مر القصر بسنوات من الإهمال والغموض، عاد ليُفتح أبوابه من جديد يوم 30 يونيو 2020، بعد انتهاء أول مشروع متكامل لإنقاذه وترميمه، إذ صار القصر اليوم معرضا يحكى تاريخ حى مصر الجديدة، ويعيد رواية الحلم الذى بدأه البارون على الرمال، فصار مدينة قائمة بذاتها، فهو قصر بناه رجل طموح، لكنه لم يترك مجرد جدران، بل ترك قصة، تختلط فيها الأسطورة بالهندسة، والحلم بالرخام، والشمس التى لا تغيب.
حين أضاءت فيلا شامية سماء القاهرة الملكية
وغير بعيد عن قصر البارون، وعلى بعد خطوات من كنيسة إنجيلية عريقة، يقع قصر آخر أكثر تواضعا فى حجمه، لكنه لا يقل فى فرادته وبهائه، إنه قصر الفريد بك شماس.
كان الفريد شماس تاجرا ذا أصول شامية، استقر فى مصر، وبنى فيلا صغيرة لكنها مبهرة، لدرجة أن الأهالى أطلقوا عليها اسم «قصر» تقديرا لفخامتها، ولا يزال هذا القصر قائما شامخا، يطل من جهة على شارع الثورة، ومن الأخرى على شارع كليوباترا، وتزين بوابته حرفا اسمه بالإنجليزية، كما تنتشر خلفه مساحة شاسعة من الحدائق المورقة.
لكن القصر لم يدخل التاريخ بسبب صاحبه وحده، بل بسبب عروس ملكية، ففى عام 1937، خطب الملك فاروق الشابة صافيناز ذو الفقار - التى ستُصبح لاحقا الملكة فريدة - وكانت عائلتها تقيم بالإسكندرية، فلم يكن لهم مقر إقامة فى القاهرة، اختار الملك هذا القصر، واستأجره من مالكه لتقيم فيه خطيبته مؤقتا طوال فترة الخطوبة التى استمرت قرابة ستة أشهر، وكان يتردد عليها فيه من حين لآخر.
وفى مساء 19 يناير 1938، ازدانت واجهات القصر بالأنوار والرايات، واحتشد المئات من سكان مصر الجديدة لمشاهدة العروس الملكية فى ملابس الزفاف، عزفت الفرق الموسيقية ألحان الفرح، ورقصت الخيول العربية على أنغامها، وزين الجيران قصورهم بالمصابيح والرايات، وتحولت مصر الجديدة إلى مدينة حالمة متلألئة.
وفى ظهيرة اليوم التالى، خرجت فريدة من هذا القصر، لتُزف إلى الملك فاروق فى قصر القبة، وتُصبح ملكة مصر، وبعد الزفاف، عاد القصر إلى مالكه، لكنه ظل شاهدا حيا على واحدة من أكثر اللحظات رومانسية وبهاء فى تاريخ القصور المصرية.
عاش المبدعون فى الحى
لم تكن مصر الجديدة مجرد حى راقٍ فى القاهرة، بل كانت موطنا للإلهام وملاذا للنجوم والمفكرين والسياسيين الذين مروا من هنا، وسكنوا شوارعها، وجلسوا فى مقاهيها، وحفروا أسماءهم فى ذاكرة الوطن؛ فكل شارع يكاد ينطق بأسماء سكنت حجراته ذات يوم.
لوحات «عاش هنا».. أثر الذاكرة على الجدران
استحق عدد من رموز الأدب والفن أن توثق حكاياتهم فى مشروع «عاش هنا»، الذى أطلقه جهاز التنسيق الحضارى التابع لوزارة الثقافة، ليبقى أثرهم حاضرا على الجدران، يعرفه المارّة كما تعرفه الأجيال القادمة.
فى 27 شارع يعقوب أرتين، عاش الفنان الكوميدى الكبير حسن فايق، صاحب الضحكة الطيبة التى لا تُنسى، وعلى باب منزله، ثبتت لوحة تخلّد ذكراه، كأحد الأسماء الخالدة فى مسيرة الكوميديا المصرية.
أما الناقد السينمائى سامى السلامونى، أحد أعمدة النقد فى السبعينيات والثمانينيات، فقد ترك بصمته فى 24 شارع الدكتور عبد الله العربى، بعمارة صبور فى امتداد شارع الطيران، رغم ارتباطه لاحقا بمدينة نصر، فقد كانت خطواته الأولى من مصر الجديدة.
وفى 3 شارع أبو الخير بدر، عاشت المخرجة منى أبو النصر، رائدة الرسوم المتحركة فى مصر، وصاحبة أعمال لا تزال تسكن وجدان الأطفال مثل «بكار» و»رحلة السندباد البحري» و»سوبر هنيدي».
كما حمل 15 شارع اللواء عبد العزيز على بصمة الروائى الراحل مجيد طوبيا، أحد أبرز المثقفين الذين جمعوا بين الإبداع الأدبى والعمل الوطنى.
وعبر شوارع مصر الجديدة، تكرس الحى كحاضنة للثقافة والفن، ففى 23 شارع ابن قلاوون، سكن الفنان الكبير عبد المنعم مدبولى، وفى 15 شارع رشيد عاش نجم الكوميديا المحبوب علاء ولى الدين، الذى لا يزال حيا فى ذاكرة المصريين رغم رحيله المبكر.
أما 13 شارع السلطان سليم، فقد احتضن مفكرا من طراز نادر، هو عباس محمود العقاد، الذى كتب أعظم كتبه داخل جدران هذا البيت، وجعل من مصر الجديدة مركزا لفكره الحر.
سيرة ما زالت تنبض بالحياة
حتى اليوم، تواصل مصر الجديدة احتضان رموزها، إذ تسكن الفنانة نجلاء فتحى فى 91 أ شارع السيد المرغنى، حيث كانت تعيش مع زوجها الكاتب والصحفى الراحل حمدى قنديل، وما زال البيت شاهدا على ذكرياتهما.
ومازالت خطوات الروائى الكبير صنع الله إبراهيم، تعبر هذا الحى فى صمت، كما يسكنه الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، أحد أبرز وجوه الحداثة الشعرية.
كما عاش فى أحياء مصر الجديدة يحيى حقى، صاحب «قنديل أم هاشم»، والشيخ أبوالعينين شعيشع، أحد أعذب أصوات التلاوة القرآنية، إلى جانب رموز سياسية وعسكرية تركوا بصمة فى تاريخ مصر الحديث، منهم «الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية الأسبق، وصلاح نصر مدير المخابرات الأسبق، وكمال الجنزورى رئيس الوزراء الراحل، والفريق أول كمال الدين حسين، أحد الضباط الأحرار، والفريق فخرى محمد سعد الدين المأمون، والمستشار وليم قلادة، وأحمد رشدى، أحد أشهر وزراء الداخلية فى ثمانينيات القرن الماضى».
شوارع فى قلب السينما
ولم يكن حى مصر الجديدة مجرد سكن للملوك والمشاهير وأرض لأجمل القصور، بل أصبح أيضا بطلا فى ذاكرة الفن السابع، حيث شكلت شوارعه مسرحا حيا لتصوير العديد من الأعمال السينمائية والدرامية التى رسخت فى وجدان الجمهور.
ومن بين هذه الأعمال الخالدة فيلم «الوسادة الخالية» الذى تألق فيه عبدالحليم حافظ إلى جانب لبنى عبدالعزيز وأحمد رمزى، وشاركهم البطولة عبدالمنعم إبراهيم وزهرة العلا، كما شهدت شوارع الحى أيضا تصوير فيلم «علمونى الحب» الذى جمع بين أحمد رمزى، إيمان، وسعد عبدالوهاب، والفنان الكوميدى عبدالسلام النابلسى.
ولم تقتصر الأضواء على السينما فقط، بل صعد حى مصر الجديدة إلى خشبة المسرح أيضا، ومن أبرز الأعمال المسرحية التى حملت اسمه عفاريت مصر الجديدة، تلك المسرحية التى أبدع فى بطولتها كل من عبدالرحمن أبو زهرة، ومحسنة توفيق، وعبدالسلام محمد، وتوفيق الدقن، وقدمت صورة خفيفة الظل عن الحياة اليومية فى هذا الحى العريق.
