بيشوى رمزى

التمكين المتبادل

الثلاثاء، 08 أبريل 2025 07:48 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تتواصل القمم المصرية، ذات الطابع الثلاثي بالقمة التي عقدت في القاهرة بين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون وعاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، في إطار النهج الذي تتبناه الدولة المصرية، والقائم على خلق التوافقات، وأبرزها في اللحظة الراهنة أزمة غزة، والتي مر ثمانية عشرة شهرا كاملة على العدوان عليها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وما شابه من انتهاكات تندى لها الأجبان، أدت إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى وتشريد ملايين البشر من سكان القطاع، وهو ما يعكس نجاعة الدبلوماسية التي تتبناها القاهرة، وهو ما بدأ في العديد من المشاهد السابقة، والتي نجحت خلالها أن مركزا للقرار الإقليمي، عبر الرفض الجماعي لرؤية الاحتلال في تهجير أهل القطاع من أراضيهم، وما ينجم عنها من تصفية القضية التي اتسمت بمركزيتها في منطقة الشرق الأوسط، عبر تجريد الدولة الفلسطينية المنشودة من أهم أركانها وهو مواطنيها، بينما تحولت من دائرة الإقليم الضيق إلى نطاق دولي أوسع، استقطبت خلاله دولا محسوبة على المعسكر الموالي لتل أبيب، عبر تعزيز ثوابت الشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين.

إلا أن القمة التي عقدت في قلب "المحروسة"، تجاوزت في واقع الأمر الإطار الثلاثي، في ضوء المشاركة الفرنسية الفعالة، وما تحمله في طياتها من تمثيل أوروبي، لا يمكن تجاهله، وهو ما يمكن النظر إليه من خلال الدور الذي تلعبه باريس، كقيادة قارية بارزة تبقى مدافعة عن حالة الوحدة الأوروبية ومتمسكة بها رغم محاولات تفكيكها من أقرب الحلفاء، وهي الولايات المتحدة، تحت مظلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي أضفى بمشاركته هاتفيا مع الزعماء الثلاثة، طرفا آخر، لا يمكن تجاهله، في ظل موقفه الداعم للاحتلال، وهو ما يضفي المزيد من الزخم للرؤية المصرية، ليس فقط فيما يتعلق باللحظة الراهنة، والتي تحمل أولوية إنهاء الحرب، وإنما أيضا في إدارة مرحلة ما بعد العدوان، والمرتبطة في جزء منها بإعادة الإعمار، في إطار الخطة التي أقرتها القمة العربية الطارئة الأخيرة، والتي تحظى بدعم كبير من فرنسا وكذلك أوروبا الموحدة.

إلا أن الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا الإطار، تتجلى في أن المحادثة التي أجراها الزعماء الثلاثة، مع الرئيس ترامب، تناولت الأزمة الأوكرانية، في إطار التأكيد على ضرورة الوصول إلى السلام والالتزام بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وهو ما يمثل تحولا أوروبيا نحو اتباع نهج التوافقات الدولية في إطار حشد دول العالم، لمواجهة ما طرأ عليها من تهديد صريح، جراء الحرب التي تشهدها كييف في السنوات الأخيرة، لم يقتصر في جوهره على ما يترتب عليها من تحديات أمنية، غير مسبوقة منذ عقود، وإنما حملت تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة، في الوقت الذي تتخلى فيه واشنطن بصورة كبيرة عن حلفائها، وهو ما يبدو سواء في ولاية ترامب الأولى، أو سياساته التي تبناها منذ عودته إلى البيت الأبيض قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر، ظهرت خلالها أمريكا، بحسب التصور الأوروبي، منحازة بصورة أو بأخرى للجانب الروسي.

ولعل مناقشة الأزمة الأوكرانية جنبا إلى جنب مع قضية أوكرانيا، في محادثة جماعية، تراوح أطرافها بين الشرق والغرب، بينما مثلوا ثلاثة قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، بالإضافة إلى كونهم ممثلين لعدة أقاليم جغرافية منها الشرق الأوسط وأوروبا الغربية والعالم الإسلامي، ناهيك عن اشتراكهم في عضوية الاتحاد من أجل المتوسط وهو الإقليم الذي بزغ دوره مؤخرا مع تداخل أطرافه في قلب الأزمات الدولية، على غرار إسبانيا، مما يضفي المزيد من الزخم لتلك الرقعة الجغرافية في المستقبل، خاصة وأنه متداخل بقوة في القضيتين الأبرز على الساحة الدولية في اللحظة الراهنة، وهو ما تناولته في مقالي السابق، بقدر من التفصيل.

تلك الشراكة "المتجاوزة الدول"، عبر التحول نحو صيغة "شراكة بين الأقاليم الجغرافية"، تمثل تماهيا مع الواقع الدولي ومعطياته في ضوء ما يفرضه من حقائق، أبرزها نهاية زمن التحالفات في صورتها التقليدية، خاصة مع التغير السريع في مواقف القوى المهيمنة على العالم، وهو كذلك امتدادا صريحا للدور الفاعل الذي باتت تلعبه قوى من خارج إقليم الأزمة، في إطار الحل للأزمات المستعصية، وهو ما يعكس حالة من التمكين المتبادل، عبر تعزيز الدور الذي تلعبه القوى الفاعلة في أقاليمها لتتجاوز الجغرافيا التقليدية، وبالتالي المساهمة في تحقيق الاستقرار العالمي، وهو ما يصب في خدمة السلم والأمن الدوليين، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح في العديد من المشاهد، منها على سبيل المثال الدور الفعال الذي تلعبه جنوب إفريقيا، خلال مرحلة العدوان الحالي على غزة، وذلك بالرغم من كونها قوى إفريقية تقع جغرافيا خارج نطاق الشرق الأوسط، أو العالمين العربي والإسلامي، عندما رفعت دعوتها على الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، وما نجم عن ذلك من تضييق الخناق على الاحتلال وحكومته ووضع المعسكر الموالي له في حرج بالغ دفعه إلى إحداث تغييرات مهمة في مواقفه تجاه القضية برمتها.

التمكين المتبادل يبدو أمرا ملحا للغرب الأوروبي، وفي القلب منه فرنسا، خاصة وأنها تشهد محاولات فجة لمزاحمتها في مناطق نفوذها، من قبل الولايات المتحدة، وهو ما لم يقتصر في حقيقة الأمر على إدارتي ترامب والتي حرصت أشد الحرص على الانسحاب من اتفاقية باريس المناخية، في محاولة لتجريدها من تأثيرها في أحد اكثر القضايا إلحاحا في العالم، وإنما أيضا امتد الأمر إلى إدارة جو بايدن والتي نجحت نسبيا في خطف الأضواء من باريس فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان والتي تمثل مركزا للنفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط مما يدفع ماكرون للسعي نحو القيام بدور في القضية المركزية بالمنطقة والتي احتكرت واشنطن رعايتها لعقود طويلة من الزمن عبر تعزيز الشراكة مع مصر والتي باتت أحد أهم عواصم القرار الإقليمي كما أسلفت، والأردن التي تحظى برعاية المقدسات الدينية بالأراضي المحتلة.


التمكين المتبادل بين الشرق والغرب، يمثل بادرة مهمة في تغييرات كبيرة في خريطة القوى العالمية، وميزان المعادلة الدولية فيما يتعلق بالعديد من القضايا المثارة على الساحة نحو مزيد من الاتزان، وهو ما يمثل نقطة هامة في تعزيز المواقف في مواجهة الأحادية المطلقة التي تسعى واشنطن إلى الاستئثار بها، دون أن تقدم أي مقابل، وهو ما بدأ مؤخرا في تجريد الحلفاء من المزايا التي طالما قدمتها لهم، وهو ما يبدو في مشهد الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس ترامب على دول العالم.

وهنا يمكننا القول بأن قمة القاهرة باريس عمان، تمثل انتقالا مهما من الثلاثيات التي طالما اعتمدتها الدولة المصرية، نحو شراكة أوسع نطاقا بين أقاليم الجغرافيا، مما يساهم في تعزيز الأدوار وتحقيق أكبر قدر من التكامل في مختلف المجالات لتحقيق المصالح المشتركة في لحظة حساسة في تاريخ عالم يبدو على أعتاب صراع غير محدود، قد يأكل الأخضر واليابس حال العجز عن احتواءه.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة