أحمد مراد فى حوار لـ اليوم السابع: رواية أبو الهول رحلة فى عقل سليمان السويفى وقراءة للمجتمع المصرى فى القرن الـ19.. الجوائز ليست المحرك الأول للكاتب.. وأعمل على فيلم "الست" والجزء الثالث من "الفيل الأزرق"

الخميس، 24 أبريل 2025 08:00 م
أحمد مراد فى حوار لـ اليوم السابع: رواية أبو الهول رحلة فى عقل سليمان السويفى وقراءة للمجتمع المصرى فى القرن الـ19.. الجوائز ليست المحرك الأول للكاتب.. وأعمل على فيلم "الست" والجزء الثالث من "الفيل الأزرق" أحمد مراد

حاوره - أحمد منصور

منذ إعلانه عن روايته الأخيرة «أبوالهول»، يثير الروائى أحمد مراد  الفضول، ليس فقط بسبب حبكته المشوّقة التى تمزج بين التشويق النفسى والتاريخى، ولكن أيضًا بسبب اختياره عنوانا يحمل دلالات رمزية غامضة، ووصلت  الرواية إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد.

بات واضحًا أن مراد استطاع أن يترك بصمته مجددًا فى عالم السرد العربى، ويؤكد مكانته كواحد من أبرز الأسماء فى الأدب المصرى المعاصر.

فى هذا الحوار، يحدثنا أحمد مراد عن تفاصيل روايته «أبوالهول»، وعن التحديات التى واجهها أثناء كتابتها، وكيف مزج بين الخيال والتاريخ دون الإخلال بالدقة، كما يكشف لنا عن مشروع سينمائى لتحويل الرواية إلى فيلم.. وإليكم نص الحوار:
 

ما الذى يجعل «أبوالهول» مختلفة عن أعمالك السابقة؟
 

تختلف فى كونها رحلةً مزدوجة، رحلة فى أزقة القاهرة القديمة بالقرن التاسع عشر، حيث يتسلل الطاعون إلى الأرواح كعقاب إلهى، ورحلة أخرى داخل عقل سليمان السيوفى، المحقق الذى يعانى اضطراب الفصام البارانويدى.

وكتبت الرواية بأسلوب اليوميات الشخصية، وبلغة ذات إيقاع شعرى بسيط ومتناغم، تناسب روح ذلك العصر وتنقل القارئ إليه مباشرةً، وفى هذه الرواية لا يشاهد القارئ الاضطراب العقلى من الخارج فقط، بل يعيش داخل عقل مضطرب تختلط فيه الحقيقة بالوهم، فيصبح شريكًا فى هواجس البطل وهلوساته.
ومع توالى الصفحات يظل السؤال مطروحًا: هل ما يقرأه تحقيقٌ جنائى حقيقى، أم مجرد اعترافات رجل يعانى الجنون؟ هكذا.. لا تقدم «أبوالهول» قصة تشويق تقليدية، بل تحمل فى طياتها أيضًا وعيًا إنسانيًا يتجاوز السرد الممتع، وتؤكد أن المرض العقلى ليس وصمة، بل هو باب لفهمٍ أعمق للنفس البشرية، وتترك للقارئ مهمة الفصل بين الجنون والعبقرية، وبين الحقيقة والخيال.
 

من أين جاءت فكرة الرواية؟ وهل استغرقت وقتًا طويلا فى البحث والكتابة؟

جاءت فكرة الرواية أثناء بحثى الممتع فى تفاصيل القرن التاسع عشر، تلك الحقبة الفريدة التى كانت على حافة العصر الصناعى الحديث، وذات يوم، استوقفتنى فكرة غريبة تسمى «تصوير الموتى»، وهى عادة كانت منتشرة فى ذلك الوقت، يقوم فيها الناس بتصوير أحبائهم الذين فارقوا الحياة، وكأن الصورة تحافظ على استمرار وجودهم بين الأحياء، ومن ناحية أخرى، تحمل الرواية جانبًا شخصيًا عميقًا، إذ عايشت لفترة طويلة شخصًا عزيزًا على قلبى كان يعانى اضطراب الفصام البارانويدى، وهذه التجربة ألهمتنى بشكل كبير للدخول إلى أعماق عقل بطل الرواية ومحاولة فهم عالمه المضطرب من الداخل، خاصةً أننى اخترت أن يكون السرد من وجهة نظر شخصية مجنونة، يحيط الشك بكل ما ترويه.
وقد استغرقت رحلة البحث والكتابة قرابة سنتين، خاصةً بسبب الحرص على سرد الحكاية بلغة يوميات شخصية قد لا تكون موثوقة تمامًا، مما شكل تحديًا كبيرًا ومتعة أكبر.

ما أبرز التحديات التى واجهتك أثناء كتابة هذه الرواية؟

أبرز التحديات التى واجهتنى أثناء كتابة هذه الرواية كانت تتمثل فى محاولة السرد من منظور شخص يعانى الفصام البارانويدى، وهى حالة عقلية مضطربة تتناقض تمامًا مع المنطق التقليدى، كان على أن أتقمص تلك الحالة بشكلٍ يجعل القارئ يصدق ويتوحد تمامًا مع شخصية الراوى، ويقتنع بأنه يقرأ مذكرات حقيقية، رغم تشكيكه المستمر فى صحتها.
كما أن إيجاد لغة سردية تجمع بين التشويق والواقعية وتُشعر القارئ بأنه يقرأ مذكرات شخصية فعلا كان تحديًا كبيرًا، بالإضافة إلى ضرورة دراسة تفاصيل القرن التاسع عشر بعناية، وفهم القوانين الاجتماعية والبيئية لتلك الحقبة الزمنية، بهدف خلق عالم روائى مقنع ومتجانس ومتماسك أمام القارئ.
 

هل ترى أن الجوائز الأدبية تؤثر على توجه الكاتب أم تظل الكتابة خاضعة لرؤيته الخاصة فقط؟

من وجهة نظرى، تظل الكتابة دائمًا خاضعة لرؤية الكاتب الخاصة، وليست الجوائز إلا تقديرًا خارجيًا قد يأتى أو لا يأتى، لكنه لا يمكن أن يكون المحرك الأول لما يكتبه الأديب، فالكاتب الحقيقى يكتب من منطلق شغفه الخاص، ورغبته الصادقة فى التعبير، لا من أجل الحصول على جائزة أو استحسان الآخرين.
أستحضر هنا قول الأديب الأرجنتينى العظيم خورخى لويس بورخيس:  «ليست الكتابة سوى حلمٍ موجّه».. فهذا الحلم الشخصى هو جوهر الكتابة، وهو ما يجعلها حقيقية وصادقة وقادرة على لمس وجدان القارئ، بعيدًا عن أى مؤثرات خارجية أو حسابات الفوز أو الخسارة.
 

تحمل روايتك عنوانًا غامضًا ومثيرًا.. لماذا اخترت «أبوالهول» تحديدًا؟

اخترت عنوان «أبوالهول» لأنه يُمثل واحدًا من أكبر ألغاز البشرية على الإطلاق، فلا أحد يعرف حتى الآن التاريخ الحقيقى لبنائه أو قصته الأصلية، وتظل النظريات والأساطير المحيطة به لا تعد ولا تُحصى، ما يفتح الباب واسعًا أمام الخيال، بلا حدود ولا قيود.
ومن الحقائق المثيرة التى جعلت أبوالهول رمزًا عالميًا أنه أقدم تمثال ضخم معروف فى التاريخ، بُنى قبل آلاف السنين، لكنه ما زال صامدًا يتحدى الزمن، رغم كل عوامل التعرية والتغيرات، كذلك فإن التمثال احتفظ بغموضه عبر التاريخ حتى فى اسمه، فكل حضارة مرت على مصر منحته اسمًا مختلفًا ومعنى جديدًا، رحلت الحضارات وبقى أبوالهول شامخًا، كأنه شاهد على كل عصر.
هذه الرمزية الاستثنائية والغموض الساحر الذى يحمله أبوالهول هى ما دفعنى لاختياره عنوانًا للرواية، كرمزٍ للألغاز التى قد لا تُحل أبدًا، تمامًا مثل العقل البشرى ودهاليزه المعقدة.
 

الرواية تمزج بين التاريخى والتخيلى.. كيف حققت هذا التوازن دون الإخلال بالدقة أو الحبكة؟

من خلال التعامل مع التاريخ نفسه باعتباره قصة خيالية، فلا يوجد تاريخ مُثبت بشكلٍ قاطع، حتى التاريخ القريب يختلف عليه المؤرخون، ولكل واحدٍ منهم رؤيته الخاصة، من هنا جاء دور الخيال لملء الثغرات التاريخية، فحين نربط الواقع التاريخى بالخيال، فإننا نخلق متعة خاصة تمنح القارئ تجربة مزدوجة، فهو  يعيش الأحداث كأنها وقعت بالفعل، وفى الوقت نفسه يستمتع بحرية الخيال وقدرته على ربط الأحداث ببعضها بشكل مشوّق ومتماسك.
 

هل استلهمت شخصيات الرواية من شخصيات حقيقية أم أنها خيال خالص؟

شخصيات الرواية خيالية تمامًا، ومع ذلك، لا يستطيع الروائى أن يخلق شخصيات من الفراغ، فهو دائمًا يستلهمها من الحياة والتاريخ والناس الذين يلتقى بهم أو يقرأ عنهم، يخلطهم معًا ويعيد تشكيلهم ليُخرج فى النهاية شيئًا جديدًا، قد يبدو خياليًا تمامًا، لكنه يحمل فى داخله صفات وملامح حقيقية من الواقع الذى نعيش فيه، كل شخصية كتبتُها فى الرواية، مهما بدت بعيدة أو غرائبية ستجد داخلها أثرًا من واقع أو ذكرى أو حادثة مرّت على، لكن مع لمسة الكاتب الذى يلقّح الواقع بالخيال لتخرج الشخصية بنكهة جديدة ومختلفة.
 

لديك تجارب متميزة فى تحويل رواياتك إلى أعمال سينمائية.. هل هناك نية لتحويل «أبوالهول» إلى فيلم؟

بالفعل هناك مشروع سينمائى قائم لتحويل رواية «أبوالهول» إلى فيلم، لكن طبعًا تحويل الروايات التاريخية إلى السينما دائمًا يكون تحديًا كبيرًا، وهو ما عشته من قبل فى فيلم «كيرة والجن»، وكذلك الفيلم الجديد «الست» عن قصة حياة كوكب الشرق أم كلثوم، الذى سيُعرض نهاية 2025، فالأفلام التاريخية تتطلب مجهودًا ضخمًا ودقة فى نقل التفاصيل، وإنتاجًا قادرًا على إعادة بناء الزمن بشكل مُقنع.
ومع ذلك، أعتقد أن عالم «أبوالهول» بكل غموضه وتفاصيله سيشكل تحديًا خاصًا جدًا فى السينما، وأتمنى أن يخرج فى النهاية بصورة تليق بالرواية وبالجمهور.
 

من هم الكتاب الذين تأثرت بهم فى مسيرتك الأدبية؟

تأثرت فى مسيرتى الأدبية بشكل خاص بالكاتب الكبير نجيب محفوظ، الذى تعلّمت من أعماله العمق الإنسانى والبراعة فى رسم الشخصيات والقدرة على الغوص فى تفاصيل الحياة المصرية بصدقٍ ووضوح. وأيضًا الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد، الذى علمنى الجرأة والاحتراف فى مناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية، إلى جانب أسلوبه السردى المتدفق بسلاسة شديدة والقريب من وجدان الناس. الاثنان كان لهما أثر كبير فى تشكيل وعيى الأدبى والفنى، ومن خلال أعمالهما عرفت كيف يكون للأدب والسيناريو تأثيرٌ حقيقى وعميق فى وجدان الجمهور.
 

بعد هذه الرواية.. هل بدأت التفكير فى مشروعك الأدبى المقبل؟

بالفعل بدأتُ العمل على مشروع أدبى جديد، حاليًا أنا فى مرحلة كتابة رواية جديدة، أسعى من خلالها إلى تقديم تجربة مختلفة، وفى الوقت نفسه أعمل على مشروعين سينمائيين، الأول هو فيلم «الفيل الأزرق» الجزء الثالث، والثانى فيلم «الست» عن أم كلثوم، الذى من المقرر عرضه فى عام 2025، هذه الأعمال تأخذ حاليًا معظم تركيزى، وأتمنى أن تقدم للجمهور تجارب فنية وأدبية جديدة ومميزة.
 

هل لدى أحمد مراد طقوس خلال الكتابة؟

نعم، لدى طقوس بسيطة أثناء الكتابة، فالهدوء عندى شرط أساسى، وأحب الاستماع إلى الموسيقى الهادئة التى تساعدنى على التركيز والغوص فى العالم الذى أكتبه، عادةً أكتب فى الصباح الباكر، وألتزم بساعات محددة، لأن هذه الفترة تكون فيها ذهنى صافيًا، وأشعر خلالها بطاقة كبيرة وصفاء ذهنى يجعلنى أكثر قدرة على التركيز.
 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة