بيشوى رمزى

الشراكات الاستراتيجية.. مصر وزخم الجغرافيا والهوية

الأحد، 13 أبريل 2025 09:31 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شراكة استراتيجية جديدة أطلقتها الدولة المصرية مع إندونيسيا، خلال الزيارة التي يقوم بها الرئيس برابوو سوبيانتو إلى القاهرة، وذلك بعد أيام من خطوة مماثلة مع فرنسا، في انعكاس صريح لحالة من ثبات النهج الذي تتبناه القاهرة، في إدارة علاقاتها مع العالم الخارجي، في إطار معطيات دولية وإقليمية تبدو متغيرة، وفي حاجة إلى التكيف معها عبر سياسات مستحدثة، بالإضافة إلى إمكانات مختلفة في الداخل، سواء من ناحية الدور الإقليمي الذي تلعبه مصر، والتي تحولت إلى عاصمة القرار الإقليمي، أو من ناحية الإمكانات التي تحظى بها في ظل الإصلاحات التي تحققت خلال الأعوام الماضية، وهو ما ترتب على ذلك من إمكانية تقديم نفسها كشريك موثوق، يمكنه القيام بدور فعال في مواجهة ما يطرأ على المجتمع الدولي من تغييرات عميقة.


ولعل التغيير الكبير في المشهد الدولي، واضحا في اللحظة الراهنة، مع خطوات واضحة تتخذها الولايات المتحدة، نحو تقويض أسس النظام العالمي، للانفراد المطلق بالسيطرة على العالم، وأحدثها القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية على دول العالم دون استثناء، وهو ما يمثل نقطة انطلاق نحو حرب اقتصادية عالمية، قد تأكل الأخضر اليابس حال الفشل في احتوائها، وهو ما يتطلب تحركا جادا من القوى المؤثرة في مختلف الأقاليم الجغرافية، نحو تعزيز التعاون، لتحقيق أكبر قدر ممكن من التكامل، في مواجهة المستجدات الدولية، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، خاصة مع تنامي الصراعات، وامتدادها الجغرافي، وتمددها الزمني.


إلا أن التزامن بين الشراكة المصرية مع فرنسا، من جانب، وإندونيسيا من جانب آخر، تعد في واقع الأمر بمثابة إعادة هيكلة التأثير المصري، وامتداداته، والذي تجاوز الإقليم الضيق، بل وتعدى الجغرافيا التقليدية، نحو أفاق أوسع، تدور في جوهرها على ربط الأقاليم ببعضها، بحيث تكون القاهرة مركزا للشراكات الاستراتيجية على المستوى العالمي، وذلك عبر تعزيز ما يجمعها بشركائها من روابط، تتراوح بين الجغرافيا، على غرار باريس، والتي ترتبط بالقاهرة، عبر البعد المتوسطي، أو الهوية، كما هو الحال في إندونيسيا، في إطار العديد من المشتركات، وأهمها الدين والثقافة، بينما تمثل مدخلا للتوسع نحو أفاق أرحب، في ظل إمكانية تداخل قوى أخرى، وهو ما سبق وأن تحقق في الشراكة الثلاثية التي دشنتها مصر مع اليونان وقبرص، ليولد من رحمها "منتدى غاز شرق المتوسط"، والذي ضم في عضويته عدة قوى بارزة تمثل أقاليم مختلفة


الخطوة المصرية ليست جديدة على الإطلاق، فقد سبقها خطوات مماثلة مع الهند والاتحاد الأوروبي، وغيرهما، وهو ما يعكس تواجدا مصريا جغرافيا متجاوزا للأقاليم، يمثل انعكاسا لما يحظى به دورها من زخم، وبالتالي استحالة تحديده بمنطقة بعينها، على غرار الوضع قبل عقد ونصف، عندما اقتصر دورها على منطقة واحدة، وهي الشرق الأوسط، بل وقضية بعينها، وهي القضية الفلسطينية، والتي تحظى بمركزيتها، في السياسة الخارجية المصرية، وذلك في إطار تبعية الحليف الأمريكي، وهو الأمر الذي فرضته المعطيات الدولية القائمة، وأبرزها أحادية النظام العالمي، وغياب القوى المؤثرة التي يمكن العمل معها لتحقيق اختراقات كبيرة، مما نجم عنه في نهاية المطاف، تراجع دور القاهرة، في مختلف أقاليمها الجغرافية، وهو ما يبدو بوضوح على المستوى القاري في إفريقيا، وهو ما تغير بصورة كبيرة منذ عام 2014، مع استعادة الزخم المصري في المحافل القارية، وتجاوزتها نحو مناطق أخرى في العالم.


وفكرة "الشراكة" على المستوى الدولي، تتماشى إلى حد كبير مع الأوضاع الدولية الراهنة، بعد حالة الانهيار التي أصابت "المعسكرات" التقليدية، والتي اعتمدت على "التحالف" الكامل بين أعضائها، عبر تحقيق "تطابق" كامل في الرؤى الدولية، مقابل الحصول على "الدعم" من قبل "قيادة" التحالف، وهو ما يبدو في تحركات واشنطن الدؤوبة نحو تفكيك المعسكرت بصورتها الحالية، عبر مشهد غير مسبوق، تبدو فيه واشنطن أكثر قربا من موسكو على حساب حلفائها الغربيين، بل وتقويض الأسس التي بني عليها الاقتصاد العالمي، منذ عقود طويلة من الزمن، في إطار سياسيات حمائية، ربما كانت "سيئة السمعة" قبل سنوات قليلة، وتحديدا قبل اعتلاء الرئيس ترامب عرش البيت الأبيض، في الولاية الأولى، والتي بقت فيها الأمور محدودة، في إطار حرب تجارية مع الصين، ولكن تبدو المعركة ممتدة، إلى العالم بأسره، مع بداية ولايته الثانية، وهو ما يمثل ارتباكا عميقا، على كافة المستويات، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد، أو الأمن أو السياسة.


التحركات الأمريكية الراهنة، تدفع حلفاء واشنطن بقوة نحو إيجاد بديل للحليف الأكبر، بل وإيجاد صيغة جديدة للعلاقة مع محيطهم الدولي، لتكون الشراكة بديلا للتحالفات، وهو الأمر الذي قدمته مصر للجميع، عبر إطلاق شراكاتها مع كافة الأطراف الفاعلة في مختلف الأقاليم الجغرافية، في ضوء ما تحظى به هذه الصيغة من مرونة، في ضوء اعتمادها على تحقيق المصالح المشتركة، دون تحقيق تطابق كامل في الرؤى تجاه كل القضايا المثارة على الساحة الدولية، وهو ما يسمح بصورة أو بأخرى لتحقيق توافقات حولها، وهو ما يتجلى خلال مراحل العدوان على غزة، عبر النجاح منقطع النظير في خلق توافقات مع دول معروفة بانحيازها لإسرائيل، تمكنت من خلالها من تحقيق انتصارات دبلوماسية كبيرة لصالح القضية الفلسطينية، ربما أبرزها اعتراف عدة دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعكس حجم الثقة الكبيرة التي تحظى بها الدبلوماسية المصرية في إدارة أحد أعقد الملفات الدولية، وأعتقها على الإطلاق.


وهنا يمكننا القول بأن الشراكة مع إندونيسيا، ومن قبلها فرنسا، انعكاسا للعديد من الحقائق، أبرزها نجاعة الدور المصري، والذي لا يمكن تحديده بمجرد إدارة الملف الفلسطيني، أو أزمة العدوان على غزة، وإنما يعود في جوهره لملفات أخرى سابقة خلال السنوات الماضية، على غرار عملية الإصلاح في الداخل، والحرب على الإرهاب، بالإضافة إلى العودة السريعة إلى أفريقيا، ناهيك عن نجاحها في صناعة شراكات قوية ساهمت في تحقيق حزمة من المصالحات الإقليمية في الشرق الأوسط، جعلت في مجملها من مصر شريكا موثوقا به، ليكون مركزا لشراكات مستقبلية، قد تكون جامعة، للعديد من القوى، ومن ثم الأقاليم الجغرافية، في مواجهة ما يطرأ من تحديات، وأزمات، خلال السنوات المقبلة.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة