يبدو أن محاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغيير النظام الاقتصادي العالمي لم تجري كما خطط لها، فخلال أسبوع من الإعلان الى يوم امس الأربعاء، انقلب "يوم التحرير" إلى "يوم الاستسلام" بعد موجة من التخبط والصدمة ضربت البورصات العالمية طالت تبعاتها وول ستريت وحلفاء دونالد الأثرياء ما دفع البيت الأبيض للتراجع "المؤقت" عن قرارات التحرير الاقتصادي المزعوم.
وفقا لواشنطن بوست، تلا إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية الشاملة أسبوع مروع للاسهم، حذر فيه المشرعون من الحزبين من ان القرارات قد تدمر الاقتصاد، ودق مساعدوا ترامب ناقوس الخطر بشأن الأسواق المالية قبل أن يعلن تعليق النظام الذي كشف عنه قبل أسبوع واحد في البيت الأبيض.
ترامب
بدأت الساعات الـ 18 الحاسمة مساء الثلاثاء، حيث أجري ترامب ومستشاروه سلسلة من الاتصالات مع كبار المشرعين الجمهوريين وزعماء دوليين، اعربوا خلالها عن قلقهم من انهيار الأسواق العالمية وخطر الدخول في ركود اقتصادي عالمي.
وكان لقناة فوكس نيوز تأثير مباشر على قرار ترامب، حيث تابع الرئيس الأمريكي مساء الثلاثاء عدة لقاءات لأعضاء من مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري وكانوا وكانوا على علم بأنه يشاهد القناة فخاطبوه بشكل مباشر عبر الشاشة، داعين لاعادة النظر في قرار الرسوم الجمركية لتجنب تداعيات اقتصادية وصفوها بالخطيرة.
وفور انتهاء البرنامج اتصل بهم ترامب لأكثر من ساعة، وقال عضو مجلس الشيوخ تيد كروز لواشنطن بوست انه حذر الرئيس من ان استمرار الرسوم قد يؤدي الى تصعيد متبادل من الدول المتأثرة الامر الذي سيمثل ضرر مباشر للمصالح الامريكية حول العالم، وأضاف أن الإدارة أمام خيارين، إما أن تستخدم الرسوم كوسيلة للضغط على الدول الأخرى، أو أن تبقي على العقوبات الاقتصادية وتواجه عواقب ذلك.
وذكرت واشنطن بوست أن بعض هؤلاء المشرعين حذروا من الاصرار على رسوم ترامب جمركية بشكل صريح لانها قد تؤدي إلى خسارة الجمهوريين في الانتخابات المقبلة، مشيرين إلى أن القواعد الانتخابية في ولايات زراعية وصناعية رئيسية مثل تكساس بدأت تشعر بالقلق من تداعيات الحرب الاقتصادية.
في الوقت نفسه، تابع ترامب خلال تلك الليلة حركة الأسواق المالية ورأي قلق المستثمرين بسبب سياساته الاقتصادية، وفي الثامنة صباح الأربعاء، تابع ترامب على فوكس نيوز مقابلة لجيمي ديمون، وهو الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورجان"، حذر فيها من احتمالات حصول ركود اقتصادي بالبلاد.
وبعد انتهاء المقابلة، اتصل ترامب برئيسة سويسرا كارين كيلر سوتر التي طالبت بإلغاء الرسوم الجمركية الجديدة على منتجات بلادها مثل الساعات والشوكولاتة مؤكدة ان بلادها الغت رسوم سابقة على المنتجات الامريكية، وعند الظهر التقى ترامب في البيت الأبيض عددا من مستشاريه الاقتصاديين، أبرزهم وزير الخزانة سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك، وناقشا معه صيغة إعلان قرار الوقف المؤقت للتعريفات الجمركية.
ترامب وشي جين بينج
قرار مفاجئ
وبعد المفاوضات، ونشر ترامب منشور على منصته "تروث سوشيال" اعلن فيه تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما، قائلا: " نظراً لعدم احترام الصين للأسواق العالمية، أرفع بموجب هذا التعريفة الجمركية المفروضة على الصين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى 145%، على أن يسري مفعولها فوراً. في مرحلة ما، نأمل أن يكون ذلك في المستقبل القريب، ستدرك الصين أن أيام استغلال الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى لم تعد مقبولة أو مقبولة".
وتابع: "في المقابل، وبناءً على أن أكثر من 75 دولة قد اتصلت بممثلي الولايات المتحدة، بما في ذلك وزارتا التجارة والخزانة ومكتب الممثل التجاري الأمريكي، للتفاوض على حل للمواضيع قيد النقاش المتعلقة بالتجارة والحواجز التجارية والتعريفات الجمركية والتلاعب بالعملة والتعريفات غير النقدية، وأن هذه الدول لم تقم، بناءً على اقتراحي القوي، بالرد بأي شكل من الأشكال على الولايات المتحدة، فقد أذنت بوقف مؤقت لمدة 90 يوماً، وتعريفة متبادلة مخفضة بشكل كبير خلال هذه الفترة، بنسبة 10%، على أن يسري مفعولها فوراً أيضاً. شكراً لاهتمامكم بهذا الأمر!".
اشارت واشنطن بوست الى ان بعض مساعدي ترامب ونواب الحزب الجمهوري فوجئوا بالقرار، في حين سارع آخرون لوصفه بـ "استراتيجية عبقرية" واكدوا انه كان يدرس هذه الخطوة منذ أيام، وخرج الرئيس الأمريكي نفسه قائل ان إعلانه المفاجئ بتعليق الرسوم الجمركية الصارمة باستثناء الواردات الصينية، جاء بعد تفكير استمر لبضعة أيام.
وقال ترامب إنه كتب القرار مع وزير التجارة هوارد لوتنيك ووزير الخزانة سكوت بيسنت دون الوصول إلى محامين، وأضاف: "كتبناها من قلوبنا، أليس كذلك؟ لقد كتبت من القلب، وأعتقد أنها كانت مكتوبة بشكل جيد أيضًا .. لا نريد أن نؤذي دولًا لا داعي لها، وجميعها ترغب في التفاوض. المشكلة الوحيدة هي.. لا يمكنك فعل الكثير في وقت واحد"، وتابع: "نريد أن نحسن التصرف؛ نريد رعايتهم، ولكن علينا أن نعتني ببلدنا، لذا... لكن هذا أمر كنا نتحدث عنه منذ فترة، وقررنا اتخاذ القرار اليوم، ونحن سعداء بذلك".