أكرم القصاص

"الترامبية" ونظرة أمريكية.."ارتجالية" ضد مصالح أمريكا

السبت، 08 مارس 2025 10:00 ص


عندما ترشح دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، وعد بإنهاء الحرب فى أوكرانيا، والحرب فى غزة، وقال إنه لو كان موجودا ما اشتعلت الحرب فى أوكرانيا، تصريحات المرشح ترامب بدت عقلانية، خاصة أنه انتقد سياسات الرئيس بايدن والديمقراطيين، واتهم الإدارة بالضعف، وهى انتقادات فيها الكثير من الوجاهة، خاصة أن بايدن دعم العدوان الإسرائيلى بكل قوة، وبالفعل حتى قبل أن يتولى ترامب نجح فى دعم وقف إطلاق النار، وبدا الأمر مثيرا لتفاؤل حذر، بسبب اختيارات الرئيس ترامب لمساعديه، وطريقته فى السعى لعقد صفقات واستخدام التلويح والتهديد، مع تقدم وتراجع. وهى سياسات تثير مزيدا من المخاوف وتتصادم مع المنطق، وتصعد من قيمة الصفقات وتتجاهل السياسة.

عندما فاز وتسلم السلطة بدأ تنفيذ وعوده، بطريقة ليست فقط من خارج الصندوق، بل أحيانا من خارج العقل والمنطق، بجانب أنها تتصادم مع أبسط معتقدات العقل، اختلطت مخططات الرئيس الأمريكى ببعض الاقتراحات خارج المنطق، وقفزا على القانون الدولى والقانون الإنسانى، دعا ترامب إلى تهجير سكان غزة إلى خارجها، إلى مصر والأردن، مرة من أجل تمهيد غزة لإعادة الإعمار، ومرة أخرى من أجل إنشاء ريفيرا ومشروعات سياحية، وعروض لشراء غزة وضخ استثمار فيها، وكأنه يتعامل مع جزيرة خالية من السكان فى المريخ أو المحيط الهادئ، اقتراح التهجير واجه رفضا ليس فقط لتناقضه ومخالفته للقانون الدولى، لكن أيضا لكونه يمثل جريمة وتصفية عرقية وليس حلا، حتى لو كان قد أدخل تحسينات شكلية أو تسويقية، ولم يوافق عليه سوى نتنياهو وترامب، ثم إن حديث الرئيس ترامب عن الركام والقذائف يتناقض مع اقتراحاته الاستثمارية، حول الريفيرا، والتى تتجاهل أنها تتعلق بمليونين ونصف المليون من البشر، وليس بجزر فارغة فى قارات مجهولة.

وبالتالى فقد تحول الوعد بالحل إلى مشكلة، خاصة أن المخطط يناسب فقط اليمين الإسرائيلى الذى اتخذ من عملية 7 أكتوبر ذريعة لتحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة بما يسهل عملية التهجير، وقد ظهرت مخططات التهجير مبكرا وتصدت لها مصر بحسم، واعتبرت الحديث عن تهجير 2.5 مليون فلسطينى تهديد لأمن المنطقة ، وجددت مصر رفضها للمخططات وقدمت البديل بخطة إعمار كاملة، أقرتها القمة العربية الطارئة بالقاهرة، لكن رد الفعل الأمريكى بدأ استمرارا للمخطط المثير للسخرية، والذى أضيفت إليه محسنات من نوعية صعوبة الإعمار فى وجود كل هذا الكم من الركام والهدم والقذائف غير المتفجرة، ويتجاهل هذا الطرح أن العدوان على غزة تكرر على مدى سنوات، وبالرغم من أنه لم يكن بهذا العنف والإجرام لكن كانت عملية الإعمار تتم فى وجود سكان غزة، وهى عملية تكررت، وحسب ما أعلنته مصر فهى تمتلك خبرات فى هذا النوع وأيضا الشركات العالمية التى يتوقع أن تتقدم للمشاركة فى إعادة الإعمار.

وبالرغم من أن البيت الأبيض رحب ببيانات القمة العربية بالقاهرة، فقد أعلن التمسك بخطط الرئيس ترامب، وهى فى الواقع ليست خطة ولا حتى صفقة، وإنما مجرد عرض يفتقر للمنطق، لكن الأمر لم يخل من عودة إلى المقترح المصرى وحسب تقرير الزميل أحمد جمعة بـ«اليوم السابع» فإن مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، اعتبر خطة مصر بشأن إدارة وإعادة إعمار قطاع غزة «خطوة أولى حسنة النية»، وقال فى مؤتمر صحفى بالبيت الأبيض الخميس 6 مارس: «انتهيت للتو من قراءة المقترح المصرى، إنه يحتوى على العديد من الميزات الجذابة، نحن بحاجة إلى المزيد من المناقشة حوله، ولكنه خطوة أولى حسنة النية من جانب المصريين»، وهو ما يعيد الأمر بالفعل إلى خطة متماسكة طرحتها مصر بناء على خبرتها مع القضية ومع كل الأطراف.

وبالتالى فإن هناك تراجعا أو التفافا حول خطة الرئيس ترامب المستحيلة، والتى تنطلق من طريقة تعتمد الصدمة والصفقة، ومن حسن الحظ أنه لا يطرحها فقط فى قضية غزة، وإنما يحاول تطبيقها ليس فقط فى غزة، لكن أيضا فى التعامل مع كندا والمكسيك وأوربا حتى من حلفاء الولايات المتحدة، وهى سياسة لا تخلو من إثارة وخلخلة، وكثيرا ما يقرر الرئيس ترامب ثم يؤجل أو يتراجع أو يجمد التنفيذ، وهو ما يضع صورة الرئيس فى حال متناقض.

وهو أمر التقطته الصحافة والإعلام فى الولايات المتحدة، وقالت شبكة «سى إن إن» الأمريكية، إن العالم بدأ يسأم من القيادة الفوضوية للرئيس ترامب، ففى يوم يفرض ترامب نظام تعريفة جمركية عقابية ضد كندا والمكسيك، وفى اليوم التالى، يجمد هذه الرسوم الجمركية لمدة شهر بعد أن أدرك فجأة، وكما توقع الجميع، أن هذا قد يضر بالصناعة الأمريكية، ويشير التقرير الذى نشرته ريم عبدالحميد فى «اليوم السابع» كيف تحولت جلسة توقيع اتفاق المعادن مع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى إلى جلسة توبيخ انتهت بطرده من البيت الأبيض، وحسب تقرير CNN فإن إيلون ماسك، حليف ترامب، الذى أوكل إليه مهمة قيادة وزارة «كفاءة الحكومة»، يطرد العاملين فى الحكومة الفيدرالية ويدعم حالة من عدم اليقين، وأن الرئيس فى ولايته الثانية يتبع سياسات صاعقة داخليا وخارجيا بلا خطة محددة بعضها يضعف أسس قوة الولايات المتحدة، وتشير«سى إن إن» إلى ما تسميه سياسات من القرن الـ19، وجهود ارتجالية، وأصبح العالم معلقا مرة أخرى بأهواء وهواجس الرئيس المرتبطة بنهجه «أمريكا أولا».

كل هذا يدعم فكرة أن السياسات المتعاكسة للرئيس ترامب، لا تتعلق فقط بالشرق الأوسط وغزة لكنها تمتد إلى باقى العلاقات والسياسات، وهو ما يدفع إلى إمكانية إعادة النظر والعودة إلى حلول تتناسب مع العقل والمنطق وليس مع الفوضى.

p
p

 

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب