حسين عبد البصير: معبد دندرة لم يكن يومًا مركزًا لممارسات الشعوذة بل كان معقلًا للعلم

السبت، 08 مارس 2025 01:00 م
حسين عبد البصير: معبد دندرة لم يكن يومًا مركزًا لممارسات الشعوذة بل كان معقلًا للعلم معبد دندرة
كتبت بسنت جميل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قال الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار المصرية ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن معبد دندرة يعد أحد أبرز المعابد المصرية القديمة، حيث كان مركزًا لعبادة الإلهة حتحور، إلهة الحب والجمال والموسيقى والخصوبة، يقع المعبد على الضفة الغربية لنهر النيل، بالقرب من مدينة قنا في صعيد مصر، وهو من أفضل المعابد حفظا حتى يومنا هذا.

وأوضح حسين عبد البصير، فى تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع" يتميز المعبد بعمارته الفريدة ونقوشه الغنية التي تمثل مختلف جوانب الحياة الدينية والأسطورية والفلكية والطقسية، ما يجعله شاهدًا على التطور الديني والمعرفي للحضارة المصرية القديمة، ومع كثرة الرموز الدينية والمناظر الفلكية والأسطورية والطقسية التي تزين جدران المعبد، كان البعض قد أشار إلى احتمال وجود ممارسات خرافية أو شعوذة في هذا المكان، إلا أن البحث الأثري والتاريخي أثبت أن المعبد لم يكن أبدا مكانا لمثل هذه الممارسات، بل كان مركزا روحيًا وعلميا متقدما يعنى بالفلك والعبادات الدينية والطقوس الملكية.

وتابع حسين عبد البصير، يقع مجمع معابد دندرة على بعد 60 كيلومترًا شمال مدينة الأقصر، ويمتد على مساحة واسعة تقارب 40,000 متر مربع. كان هذا الموقع مقدسًا منذ عصور ما قبل الأسرات، لكن المعبد الرئيسي الذي نراه اليوم بُني خلال العصر البطلمي، واستكمل في العصر الروماني، بدأ تشييد المعبد في عهد الملك بطليموس الثالث (246-222 ق.م.)، واستمر العمل فيه حتى عهد الإمبراطور الروماني تيبيريوس (14-37 م)، وتشير بعض الأدلة إلى أن المنطقة كانت مستخدمة للعبادة منذ الدولة القديمة (2686-2181 ق.م.)، حيث عُثر على آثار ترجع إلى عهد الفرعون خوفو،  كما أضاف الملوك الرومان العديد من الزخارف والنقوش إلى المعبد، مما جعله يمثل مزيجًا فريدًا من الطرز الفنية المختلفة.

ولفت حسين عبد البصير، إلى أن التصميم المعماري لمعبد دندرة ينقسم إلى المدخل الرئيسي والصرح يتقدم المعبد بوابة ضخمة تعود إلى العصر الروماني، وتؤدي إلى فناء واسع يحيط به عدد من الأعمدة المزخرفة بتيجان تحمل وجه الإلهة حتحور، بهو الأعمدة يعتبر بهو الأعمدة من أروع أجزاء المعبد، حيث يحتوي على 24 عمودًا ضخمًا، جميعها تزينها رؤوس حتحور ويتميز سقفه بالنقوش الفلكية الرائعة التي تمثل الأبراج السماوية والمجرات الكونية، مما يؤكد اهتمام المصريين القدماء بعلم الفلك وربطهم بين العالم الأرضي والسماوي.

وأضاف حسين عبد البصير، أن  قدس الأقداس هي الغرفة الأكثر قداسة داخل المعبد، حيث كان يوضع التمثال المقدس للإلهة حتحور، وكان يُمنع دخول العامة إلى هذه الغرفة، إذ كانت مخصصة للكهنة والملك فقط، السرداب والغرف السرية أوالغرف المخفية التي كانت تستخدم لأغراض دينية وطبية، ومن أشهرها نقوش "لمبة دندرة"، التي أُثيرت حولها الكثير من التفسيرات الغامضة.

واستطرد حسين عبد البصير، أن المناظر الدينية والأسطورية والطقسية تغطي جدران معبد دندرة مجموعة غنية من النقوش الدينية والأسطورية والطقسية التي توثق الطقوس الدينية والاحتفالات الملكية: ومن أبرز هذه المشاهد: مشاهد الولادة الإلهية تظهر العلاقة بين الإلهة حتحور والملك، حيث يُقدم الملك كابن للإلهة، مما يعزز شرعيته في الحكم، مشاهد تقدم القرابين: تُمثل الملوك وهم يقدمون الهدايا والقرابين للآلهة، وهو تقليد شائع في المعابد المصرية، مشاهد الاحتفالات الدينية: ومنها عيد رأس السنة المصرية القديمة، حيث كان يُحتفل به في المعبد عن طريق إخراج تمثال الإلهة حتحور من قدس الأقداس ليُعرض للشعب، والمشاهد الفلكية: تُعتبر من أهم الزخارف في المعبد، حيث تعكس فهم المصريين القدماء لحركة النجوم والكواكب، وأشهرها سقف المعبد الذي يحتوي على خرائط سماوية ونقوش تمثل الأبراج الفلكية.

وأكد حسين عبد البصير، أن الجانب الفلكي لمعبد دندرة "زودياك "يحتوي على إحدى أقدم الخرائط السماوية المعروفة، التي تعد من أكثر القطع الأثرية إثارة للجدل، تصور هذه الخريطة الأبراج الفلكية الاثني عشر المعروفة اليوم، بالإضافة إلى مجموعة من الكواكب والنجوم. وقد اعتبرها الباحثون دليلًا على تقدم المصريين في علم الفلك ورصدهم لحركة الكواكب، يعد سطح المعبد من أهم المواقع التي استخدمها الكهنة لمراقبة الظواهر الفلكية، حيث كانوا يتابعون حركة الشمس والنجوم لتحديد بداية الفصول والمناسبات الدينية.

وحول الطقوس الدينية في معبد دندرة، قال حسين عبد البصير، أن معبد دندرة يستخدم لإقامة العديد من الطقوس الدينية التي تتعلق بالإلهة حتحور، ومن أبرزها: طقوس التجديد السنوي: حيث كان يُنقل تمثال الإلهة إلى السطح لمباركة العام الجديد، احتفالات الزواج المقدس: وهي طقوس رمزية تمثل اتحاد الملك مع الإلهة حتحور، طقوس الشفاء والعلاج: حيث كان المعبد يُستخدم كمركز طبي، وكانت تستخدم بعض الغرف لممارسة الطقوس العلاجية بناءً على النصوص الطبية المصرية.

وبالنسبة لموقف المصريين القدماء من السحر والشعوذة، واوضح حسين عبد البصير، إن على الرغم من أن بعض الطقوس الدينية المصرية تضمنت استخدام التمائم والتعاويذ، إلا أن المعبد لم يكن يومًا مكانًا لممارسة الشعوذة أو الخرافات، كان الكهنة يستخدمون العلم والمعرفة في مجالات مثل الطب والفلك، ولم يكن هناك مجال للخرافات في الممارسات الدينية الرسمية للدولة، وظل معبد دندرة مستخدما حتى العصر المسيحي، حيث حول جزء منه إلى كنيسة، مما أدى إلى تدمير بعض النقوش الوثنية، وخلال العصور الإسلامية، تأثر المعبد بالإهمال، لكنه بقي محفوظًا بشكل ممتاز إلى يومنا هذا.

جدير بالذكر يعد معبد دندرة تحفة معمارية فريدة تجمع بين الفن والدين والفلك في آنٍ واحد، وعلى الرغم من مرور آلاف السنين، لا يزال هذا المعبد يحتفظ برونقه ليكون شاهدًا على عظمة الحضارة المصرية القديمة، كما يؤكد التاريخ والدراسات الأثرية أن المعبد لم يكن يومًا مركزًا لممارسات الشعوذة، بل كان معقلًا للعلم والدين والفلك في مصر القديمة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة