فى السابع من شهر رمضان المبارك، يحيى الأزهر الشريف ذكرى تأسيسه، هذا المعلم التاريخى الذى أضاء سماء العلم والدين عبر 1085 عامًا، يومٌ تتجدد فيه الذكريات، ويتزاحم التاريخ مع الحاضر، حيث يقيم الأزهر الشريف احتفالية كبرى فى قلب القاهرة، احتفالًا بمسيرة طويلة من العلم والدعوة، ونموذجٍ للوسطية والتسامح.
لقد تم تأسيس الجامع الأزهر فى عام 970م على يد جوهر الصقلى، القائد العسكرى المخلص للخليفة الفاطمى المعز لدين الله، ليكون رمزًا دينيًا وعلميًا فى قلب مدينة القاهرة.
وفى يوم الجمعة، السابع من رمضان 361هـ، افتُتِح الجامع الأزهر للصلاة، ليبدأ مسيرته ليس فقط كمكان للعبادة، بل كمهدٍ لنبراس العلم فى العالم الإسلامى، وقد سُمى الأزهر تيمُّنًا بالسيدة فاطمة الزهراء، أم المؤمنين، ويعكس هذا الاسم ارتباطه العميق بالهوية الإسلامية.
منذ نشأته، لم يكن الجامع الأزهر مجرد جامع للصلاة، بل كان بمثابة جامعة علمية فتحت أبوابها للعلماء والطلاب من شتى بقاع الأرض، تُدرس فيه العلوم الدينية واللغوية والفلسفية، وتُحاكى فيه قضايا العصر.
وعبر العصور، تطور الأزهر ليكون منارة للعلم والوسطيّة التى لا تنحاز إلى غلوّ أو تشدد، بل تُمثّل قلبًا نابضًا بالاعتدال والتعايش.
بعد زوال الدولة الفاطمية على يد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى فى القرن الثانى عشر، قام بإلغاء صلاة الجمعة فى الأزهر، ليُعيد بذلك الأزهر دوره الوسطى كجامع سني، فاستعاد الأزهر مكانته العلمية التى ساهمت فى نشر الفكر السنى فى مصر والعالم الإسلامي، ليكون أداةً للسلام والحوار بين المذاهب.
اليوم، يُعتبر الأزهر الشريف رمزًا للأصالة والوسطية، يستمر فى أداء رسالته السامية بتعليم الأجيال، ويظل ملاذًا للفكر الإسلامى المعتدل، وبين طيات جدرانه تتواصل الأجيال فى نقل المعرفة، والبحث عن الحكمة، وتجسيد قيم التسامح.
ومع مرور الزمن، يظل الأزهر بتاريخه العريق، ودوره المهم فى تشكيل الفكر الدينى فى العالم الإسلامي، شاهدًا على قوة العلم وسط رياح التغيير، منارة تنير درب الأجيال القادمة نحو غدٍ أفضل.