<< تراجعت الاحتياطيات 41% بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي
<< إجمالي الدين العام الإسرائيلي يصل لـ304 مليارات دولار حتى نهاية 2023
<< تكبد الاقتصاد الإسرائيلي نفقات 1.4 مليار دولار بسبب انعدام الأمن الغذائي فقط
<< انخفاض الاستثمارات الأجنبية في عام 2024 بنسبة 55.8%
<< خسارة 3 مليارات شيكل بسبب الأضرار بالبنية التحتية
<< تل أبيب تحتاج لفترة إعادة تأهيل قد تستغرق ما بين 8 إلى 10 سنوات
<< 3000 مبنى تعرضوا لأضرار منهم 35 % كان أضرارا شديدة
<< انخفاض قيمة العملة الإسرائيلية بنسبة 5%
<< تضاعف نسبة فرار الأموال من بنوك إسرائيل خلال شهري مايو ويوليو
<< الولايات المتحدة تقدم دعما لتل أبيب بـ6.5 مليارات دولار مساعدات أمنية
<< خبراء: إسرائيل خسرت على المستوى السياسي سمعتها كدولة تدعي أنها كانت واحة للديمقراطية
ذكرنا في الحلقة الأولى، أن نتنياهو أصبح مطلوبا من أعلى محكمة دولية في العالم، ولا زالت التحقيقات مستمرة بشأن حرب الإبادة التي شنها ضد سكان غزة، ليضاف لسلسلة الخسائر التي تتلقاها تل أبيب، إلا أن هذه الخسارة قانونية، ففي 21 نوفمبر الماضي، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية ويوآف جالانت وزير الدفاع السابق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ليصبح قادة الاحتلال ملاحقين دوليا لأول مرة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ دولة الاحتلال.
قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت
محاولات الاحتلال منع محاكمة قياداته
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن الولاية القضائية العالمية التي تتمتع بها عدد من الدول قد تجعل نتنياهو معرا للاعتقال في أي وقت حال زيارته أي دولة من تلك الدول التي يوجد لديها هذا النظام حال أصدرت محاكمها قرارات ضد رئيس وزراء الاحتلال، وهو ما يشرحه الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون الدولي والمحلل السياسي الفلسطيني، حيث يُعد نظام الولاية القضائية أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي، ويمنح الدول الحق في محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية الجسيمة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن جنسية المتهم أو مكان ارتكاب الجريمة.
ويوضح "أبو لحية" في تصريح لـ"اليوم السابع"، أن هذا النظام يستند إلى الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واستنادا الى هذا المبدأ القانوني تصاعدت المطالبات بمحاكمة القادة الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية والوطنية للدول التي تعتمد نظام الولاية القضائية العالمية، وصدرت بالفعل مذكرات اعتقال وتحقيقات ضد مسؤولين إسرائيليين، مما قيد حركتهم الدبلوماسية وأدى إلى حالة من القلق داخل إسرائيل.
"هناك مسألة في غاية الأهمية، وهي ما شهدناه سابقًا وما قد يتكرر مع دول أخرى، حيث نجح اللوبي الصهيوني القوي في أوروبا في تعطيل تفعيل بعض الدول لمبدأ الولاية القضائية العالمية، وذلك عندما رُفعت دعاوى ضد مسؤولين إسرائيليين سابقين بتهم ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي"، حسبما يؤكد أستاذ القانون الدولي، متوقعا أن تمارس تل أبيب عبر نفوذها وأذرعها القوية حول العالم، ضغوطًا مكثفة على الدول التي تسعى إلى محاسبة المسؤولين المتورطين في جرائم الحرب التي ارتُكبت في غزة خلال الخمسة عشر شهرًا الماضية.
ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 فبراير الماضي، أمرا تنفيذيا يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، التي اتهمها بالقيام بأعمال غير مشروعة ضد الولايات المتحدة وحليفنا المقرب إسرائيل.
اختراقات أمنية وخسائر عسكرية وانخفاض النشاط الاقتصادي
ويشير جهاد أبو لحية إلى ما أكده الخبراء في السطور الماضية، بشأن الخسائر الاقتصادية الضخمة التي تكبدها الاحتلال، نتيجة التكاليف الباهظة للعملية العسكرية، وانخفاض النشاط الاقتصادي بسبب تعطّل القطاعات الإنتاجية، وهروب الاستثمارات، وانخفاض التصنيف الائتماني للدولة، وهجرة العقول والكوادر الفنية إلى الخارج، بجانب تصاعد العزلة الدبلوماسية، حيث واجهت إسرائيل إدانات دولية، وضغوطًا متزايدة حتى من بعض حلفائها التقليديين، وظهور انقسامات حادة داخلية، واحتجاجات واسعة ضد الحكومة، مما أضعف موقفها السياسي داخليًا وخارجيًا.
ويتطرق جهاد أبو لحية، إلى خسائر أخرى تلقاها الاحتلال منذ اندلاع العدوان على غزة، موضحا أن تل أبيب واجهت تحديات كبيرة في العديد من القطاعات، ولم تقتصر آثار الحرب على الخسائر العسكرية فحسب، بل امتدت إلى الاقتصاد، والسياسة، والمجتمع، حيث تعرضت إسرائيل لهزات استراتيجية غير مسبوقة، تجسدت في اختراقات أمنية كبيرة أظهرت نقاط ضعف في منظومتها الدفاعية، مما قوض صورة الردع التقليدية التي اعتمدت عليها لعقود، كما تكبد جيشها خسائر بشرية ومادية كبيرة، وأصبحت المؤسسة العسكرية في حالة استنزاف مستمر، وسط انتقادات داخلية لفشلها في تحقيق أهدافها المعلنة.
تراجع احتياطي النقد الأجنبي الإسرائيلي
وفي مايو الماضي، أكد البنك المركزي الإسرائيلي تراجع احتياطي النقد الأجنبي نهاية أبريل حوالي 5.63 مليارات دولار بعدما وصل إلى 208 مليارات، كما تراجعت الاحتياطيات بحوالي 41% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وفي أبريل الماضي أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية بلوغ استدانة إسرائيل بسبب الحرب حوالي 43 مليار دولار خلال عام 2023، وعام 2024، كما وصل إجمالي الديون لـ 304 مليارات دولار إجمالي الدين العام الإسرائيلي حتى نهاية 2023، و21 مليار دولار ديون إضافية، بجانب 6 مليارات دولار إجمالي القروض عام 2022، وبلوغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي حوالي 62.1 %، وجمع 8 مليارات دولار من بيع سندات دولية منذ أكتوبر 2023 حتى أبريل 2024، متوقعة أن يشهد عام 2025 مزيد من التدهور في نسبة الدين العام مقارنة بالناتج المحلي وخفض جديد في التصنيف الائتماني.
في هذا السياق، يؤكد الدكتور طارق عبود، المحلل السياسي اللبناني، والخبير في الشئون الدولية، أن خسارة إسرائيل في الحرب كانت على عدد من المستويات، رغم أنها دمرت غزة بشكل شبه كامل، ولكن النتائج السياسية لم تكون على مستوى الكلفة والأهداف لم تتحقق بشكل حاسم.
فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه العسكرية
ويضيف لـ"اليوم السابع"، أن إسرائيل خسرت على المستوى السياسي سمعتها كدولة تدعي أنها كانت واحة للديمقراطية، فاندلعت المظاهرات في كل أنحاء العالم ولا سيما في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وانتهت الحرب باتهام رأس الهرم السياسي عندها وهو رئيس الوزراء ووزير دفاعه السابق بالإبادة الجماعية، وصدرت بحقهما مذكرتا توقيف من أعلى سلطة قضائية في العالم، وهي المحكمة الجنائية الدولية، وأصبحا مطلوبين في عشرات الدول، ومنها الأوروبية، وأحرجت الحرب الولايات المتحدة الأمريكية كدولة ليبرالية وداعية لحقوق الإنسان والديمقراطية.
"على المستوى العسكري لم تتحقق الأهداف المعلنة والمتمثلة باستعادة الأسرى بالقوة، وإنهاء حماس كقوة عسكرية وسياسية، بينما على المستوى الاقتصادي تكبدت إسرائيل خسائر فادحة على مستوى السياحة والصناعة والبنية التحتية وإقفال مطارها الرئيس وعزوف كل شركات العالم عن تسيير رحلاتها الى تل أبيب"، حسبما يؤكد طارق عبود، مشيرا إلى إغلاق أكثر من 60 ألف شركة صغيرة ومتوسطة، وامتناع المستثمرين عن المجيء إليها، ولا سيما شركات الهاي تك – أي التكنولوجية - وإغلاق ميناء إيلات بشكل كلي وتسريح الموظفين فيه، ومنع السفن من التوجه الى الكيان، وإقفال كل المصانع في الشمال الفلسطيني المحتل، بجانب انهيار كبير في القطاع الزراعي.
الاقتصاد الإسرائيلي يتكبد خسائر بـ1.4 مليار دولار بسبب انعدام الأمن الغذائي فقط
وفي 13 أكتوبر ، أكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، تكبد الاقتصاد الإسرائيلي نفقات بلغت 1.4 مليار دولار بسبب انعدام الأمن الغذائي فقط، وهو ما يمثل حوالي 5% من إجمالي نفقات الرعاية الصحية الوطنية، كما أنه خلال 6 الأشهر الأولى من الحرب فقدت تل أبيب حوالي 22% من المنتجات الزراعية بينما في الفترة قبل العدوان فقدت 9% من المنتجات الزراعية، وانخفض عدد العاملين في الزراعة في هذه الفترة بنسبة حوالي 40% معظمهم من العمال الفلسطينيين بخلاف عمال أجانب.
ويوضح طارق عبود، أن العامل الأهم على المستوى المعنوي، هو أنّ مئات الآلاف من الأشخاص تركوا إسرائيل في خروج من غير عودة، إضافة الى عدم شعور المستوطنين بالأمان، وتفكير الكثير منهم بترك الكيان الى أماكن اكثر امنا، كما أن القوة المفرطة التي استخدمتها إسرائيل في الحرب لم تحقق الأمان للشعب، حيث استخدمت كل ما تملك هي والولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب ضد منطقة محاصرة، ما يعني أنّ القوة والبطش والقهر لا تجلب السلام والاستقرار، إضافةً إلى تنامي العداء عند الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم، حتى لو لم التعبير عن ذلك بشكل واضح، لأسباب معروفة للجميع.
كما يؤكد الخبير في الشئون الدولية، أن الآثار السلبية لهذا العدوان ستكون طويلة الأمد على دولة الاحتلال، لأن هذه الحرب وبهذه القسوة، وبهذا الدعم الدولي لا تُخاض كل سنة، بل تحتاج الى عقود كي تتكرر، وهو ما يقضّ مضجع الإسرائيلي.
في رد فعلها على خسائر اليومين الأولين من حرب أكتوبر 1973 خرجت رئيسة الوزراء الاحتلال حينها جولدا مائير لتعرب عن خوفها من نتائج الهزيمة قائلة: "هذا خراب الهيكل الثالث"، وحينها استحضرت نبوءة قديمة عن زوال الممالك اليهودية.
انكماش الناتج المحلي الإجمالي
طارق عبود استعرض بشكل ملخص حجم الخسائر الاقتصادية التي مني بها الاحتلال خلال الحرب، إلا أنه باستفاضة واسعة حول هذا الملف، فهناك تقرير نشره موقع "ذا كونفيرزيشن" في 7 سبتمبر 2024، أكد فيه انكماش الناتج المحلي الإجمالي في تل أبيب بنسبة 4.1% في الأسابيع التي أعقبت السابع من أكتوبر 2023، واستمر الانخفاض حتى عام 2024، بعدما انخفض بنسبة 1.1% و1.4% إضافية في الربعين الأولين من هذا العام، فيما قدر بنك إسرائيل أن تكلفة الحرب تصل إلى 67 مليار دولار بحلول عام 2025، رغم حزمة المساعدات العسكرية البالغة 14.5 مليار دولار من الولايات المتحدة، فقد لا تكون مالية إسرائيل كافية لتغطية هذه النفقات.
وبحسب موقع موقع "ذا كونفيرزيشن"، فإن 60 ألف شركة إسرائيلية اضطرت إلى الإغلاق في عام 2024 بسبب نقص الموظفين وانقطاع سلسلة التوريد وتراجع ثقة الأعمال – وهو ما ذكرناه خلال الحلقة الأولى - في حين تؤجل العديد من الشركات مشاريع جديدة، وهو نفس الرقم الذر ذكره طارق عبود، كما تضمنت الخسائر انخفاض أعداد السياح بشكل كبير منذ بداية العدوان، حيث يواجه واحد من كل عشرة فنادق في جميع أنحاء البلاد الآن احتمال الإغلاق.
انخفاض الاستثمارات الأجنبية في عام 2024
كذلك أكد مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، انخفاض الاستثمارات الأجنبية في عام 2024 بنسبة 55.8%، وهو أدنى مستوى منذ الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021.
وفي أغسطس الماضي، خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، التصنيف الائتمانى لاقتصاد تل أبيب، بعدما أكدت تضررت المالية العامة وتوقعها بعجز في الميزانية بنسبة 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 وأن يظل الدين أعلى من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في الأمد المتوسط، بالإضافة إلى تتدهور مؤشرات الحوكمة للبنك الدولي، ما يؤثر سلبًا على الملف الائتماني.
هنا يؤكد الدكتور عامر الشوبكي، المحلل الاقتصادي الأردني، أن الاحتلال خسر خلال تلك الحرب 67 مليار دولار، بجانب خسائر بـ 5.2 مليار دولار بقطاع سياحية، و36 مليار دولار عجز مالي، 4 مليار دولار في قطاع البناء، و34 مليار دولار عسكريا، وإغلاق 100 ألف شركة خلال عامي 2023 و2024.
قيمة الأضرار بالمباني والبنية التحتية
وبالحديث عن تضرر قطاع البناء في دولة الاحتلال، سنجد أنه ففي 30 أكتوبر الماضي، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن اتحاد المقاولين في تل أبيب، تأكيده أن قيمة الأضرار التي لحقت بالمباني والبنية التحتية في شمال إسرائيل فقط، بلغت نحو 1.4 مليار دولار، وأنها ستحتاج إلى فترة إعادة تأهيل قد تستغرق ما بين 8 إلى 10 سنوات، وذلك بعد إجراء فحصا شاملا لنطاق أعمال إعادة التأهيل المطلوبة في تلك المنطقة ووضع تقديرات بوقوع أضرار مباشرة بأكثر من ملياري شيكل في مئات المباني، بالإضافة إلى 3 مليارات شيكل من الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بكامل إسرائيل.
وبحسب المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي، فإن النسبة المئوية لمواقع البناء المغلقة في شمال إسرائيل منذ أغسطس الماضي بلغ 61٪، بينما في عموم إسرائيل 11٪، بجانب تضررت آلاف المنازل، حيث إن هناك 3000 مبنى تعرضوا لأضرار منهم 35 % كان أضرارا شديدة.
وفي 25 فبراير الماضي، أكدت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، أن هناك تقرير حاد لمراقب الدولة في إسرائيل متانياهو إنجلمان، كشف عن سلسلة من الإخفاقات الخطيرة في معالجة الحكومة لإعادة تأهيل سكان غلاف غزة ومنطقة النقب الغربي، موضحا أن أحداث 7 أكتوبر كان من أسوأ الكوارث التي شهدتها تل أبيب، وإعادة تأهيل المستوطنات وسكانها هي مهمة من الدرجة الأولى للحكومة.
وأوضحت الصحيفة، أن من بين أكثر النتائج خطورة في التقرير ميزانية تطوير بقيمة 5 مليارات شيكل تمت الموافقة عليها في أبريل 2024 ولكنها لم تُنفذ بعد بسبب خلافات حول تعريف حدود منطقة التعافي، مما تسبب في تعقيدات قانونية حالت دون تنفيذ الميزانية.
ويشير المحلل الاقتصادي الأردني، في تصريح لـ"اليوم السابع"، أن هذه الحرب كان لها تأثيرات نفسية واجتماعية، بعد نزوح آلاف المستوطنين من غلاف غزة، وأكثر من 1.2 مليون مستوطن يعانون من اضطرابات نفسية وصدمات، ومغادرة 700 ألف باحث عن الأمان في أماكن أخرى بحسب سلطة الإسكان والهجرة والهجرة.
وبشأن التصنيفات العالمية لاقتصاد الاحتلال خلال الحرب، يوضح "الشوبكي"، أن جميع وكالات التصنيف الائتماني الرئيسة مثل ستاندرد آند بورز، وموديز، وفيتش خفضوا تصنيف إسرائيل الائتماني إلى درجات أدنى، بالإضافة إلى اهتزاز صورة إسرائيل عالميا بسبب استهداف المدنيين والبنية التحتية، ما عزز التعاطف الدولي مع الفلسطينيين، وأثر على سمعة إسرائيل دوليا، متابعا :"رغم 15 شهرا العدوان الشامل، فشلت تل أبيب في تحقيق أهدافها، رغم الخسائر الفلسطينية والدمار غير المسبوق وانعدام أبسط اسس استمرار الحياة في غزة وفقدان الأرواح التي لا يمكن تعويضها، إلا أن المستقبل الإسرائيلي يحمل الكثير من المفاجئات بناءا على هذه المعطيات والأرقام.
وفي 2 أكتوبر، أكدت وكالة بلومبرج، أن قيمة العملة الإسرائيلية تراجعت بنسبة 5% على الرغم من ضخ البنك المركزي الإسرائيلي قرابة 30 مليار دولار للحفاظ على قيمة الشيكل، وهو أثر ذلك على رصيد إسرائيل من احتياطيات النقد الأجنبي، فيما قُدرت خسائر البورصة بنسب 9% و20% على مدى فترات مختلفة، وكان قطاع البنوك الأكثر تضررا في البورصة بسبب خروج المستثمرين الأجانب، كما قدرت دراسة للمعهد العربي للدراسات خسائر البورصة الإسرائيلية بسبب الحرب على غزة بنحو 20 مليار دولار.
ونقلت الوكالة حينها عن مسؤولين إسرائيليين تقديرهم فاتورة الحرب بنحو 66 مليار دولار، وهو ما يعادل نسبة 12% من الناتج المحلي لإسرائيل، كما بلغ الإنفاق الحربي خلال العام الماضي 25.9 مليار دولار وعجز الميزانية 8.3%، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على القروض لتمويل هذا العجز، وقد بلغت قروض إسرائيل 53 مليار دولار.
الخسائر ليست اقتصادية فقط
ويعلق الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، على خسائر إسرائيل الاقتصادية بتأكيده أن القضية لا تقاس بخسائر الاقتصاد والبورصة أو الوضع الاقتصادي السئ فقط لأن المؤسسات المانحة الأمريكية والأوروبية عوضت هذا الأمر إلا أن الخسائر الأكبر هو انقسام المجتمع الإسرائيلي داخليا في أمور مرتبطة بالتكلفة السياسية واستراتيجيات الحرب والمشروع الصهيوني وحالات التمرد داخل الجيش والإقالات والاستقالات كبيرة في أرجاء دولة الاحتلال.
ويقول "فهمى"، لـ"اليوم السابع"، إن الهجرة المضادة وكيفية التعامل مع هروب جنود الاحتياط من الخدمة أظهر دولة الاحتلال بالمأزومة وهو ما تسببت فيه أحداث 7 أكتوبر والخسائر كانت فادحة في أمور سياسية مرتبطة بالأوضاع المتعلقة بتماسك المجتمعي وحالة التأزم ونسب التضخم الكبيرة ووضع البورصة وقلة الإنتاج وخسائر الشركات وغلقها وتوقف بعض الموانئ عن العمل مثل موانئ إيلات وعسقلان وأشدود وكذلك توقف مطار بن جوريون عن العمل واستبداله بمطار رامون في جنوب الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وفى أكتوبر الماضي أيضا أكدت مجلة "إيكونوميست" البريطانية أن وتيرة فرار الأموال من بنوك إسرائيل إلى مؤسسات أجنبية تضاعفت في الفترة بين شهري مايو ويوليو الماضيين، موضحة أن أكبر 3 بنوك إسرائيلية بزيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالدولار، مضيفة أنهم مستسلمون لتدهور الأمور إلى الأسوأ.
فرض ضرائب جديدة على أرباح البنوك
وحينها أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية عن مشروع قانون يدعى "الترتيبات الاقتصادية" تضمنته ميزانية 2025، يشمل فرض ضرائب جديدة على أرباح البنوك بخلاف خصخصة ميناء أشدود - الوحيد المملوك للحكومة- وقرارات تقشفية أخرى.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الخسارة الأكبر للاحتلال هو حالة الانقسام والتأزم الداخلي المرتبط بالوضع السياسي والاستراتيجي وخروج العلماء والمفكرين من إسرائيل وهو ما سيكون له تأثير كبير وممتد، خاصة أن الخسائر متعددة انعكست على المجتمع كله الذي أصبح يعانى من أزمة هيكلة مفصلية وأصبح الحديث الآن عن مدى إمكانية بقاء إسرائيل في المنطقة.
هناك مقولة شهيرة لناحوم جولدما، وهو أحد مؤسسي المؤتمر اليهودي العالمي ورئيسه الأسبق، قالها منذ سنوات عديدة أكد فيها أن إسرائيل سوف تختفي من الوجود إن هي ظلت تمارس الإرهاب اليومي، ولا تعترف بوجود دولة فلسطينية، وخلال مقولته دعا الجيل الإسرائيلي المقبل بأن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في الوجود، متوقعا حينها ألا تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بمد تل أبيب بمساعداتها الاقتصادية والعسكرية.
الدعم الغربي للاحتلال خلال الحرب
إذا استطردنا في الحديث عن الدعم الغربي خاصة الأمريكي لدولة الاحتلال خلال الحرب، فإننا سنجد أرقام باهظة خاصة فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية، ففي الأول من يناير الماضي، كشفت بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن الولايات المتحدة زودت إسرائيل بين عامي 2019 و2023 بنحو 69% من الأسلحة، وهو رقم ارتفع إلى 78% في فترة الحرب، وبحلول ديسمبر 2023 – أي بعد اندلاع العدوان بشهرين - نقلت واشنطن أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة بقيمة 2.4 مليار دولار إلى تل أبيب، وقفز هذا الرقم إلى 50 ألف طن في أغسطس 2024، على متن مئات الطائرات والسفن.
وبحسب تقارير عبرية أيضا، زودت واشنطن جيش الاحتلال بمجموعة متنوعة من المعدات العسكرية المتقدمة، بما في الصواريخ الخاصة بنظام القبة الحديدية، والقنابل الموجهة بدقة، وطائرات الهليكوبتر CH-53 للنقل الثقيل، وطائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز أباتشي AH-64، وقذائف مدفعية عيار 155 ملم، وقنابل تخترق المخابئ، ومركبات مدرعة، كما أن إيرادات شركات تصنيع الأسلحة الإسرائيلية الثلاث المصنفة ضمن أكبر 100 شركة أسلحة في العالم، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في عام 2023 بعد الشروع في الحرب على غزة، وأن إجمالي إيراداتها ارتفع بنسبة 15% ليصل 13.6 مليار دولار.
وفي نوفمبر الماضي أكدت دراسة لمعهد واشتون الأمريكي، أن حجم صفقات المساعدات العسكرية الأمريكية الموقعة مع إسرائيل منذ بداية الحرب وصل إلى 40 مليار دولار، مشيرا إلى أن حجم المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لإسرائيل، خلال العام الأول من الحرب على قطاع غزة فقط يفوق بكثير المساعدات السنوية البالغة 3.8 مليار دولار، التي وافقت واشنطن على منحها لإسرائيل.
وفي 2 أكتوبر الماضي، رصدت تقارير صحفية أجنبية تقديم الولايات المتحدة دعما كبيرا لتل أبيب من خلال قرابة 6.5 مليارات دولار مساعدات أمنية، فضلا عن تسهيلات في منح المزيد من المساعدات التي ذكر أحد التقارير أنها قرابة 23 مليار دولار في عام 2024، بينما كشفت تقارير أمريكية، مقتل 39 أمريكيا من حملة الجنسية الإسرائيلية خلال طوفان الأقصى، بجانب لاحتجاز 11 آخرين في غزة، وبقي لواشنطن 4 محتجزين فقط بعد بدء عملية تبادل المحتجزين الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين، إضافة لجثتي أمريكيين قُتلا أثناء العدوان على القطاع.
مذكرة لمنظمة أمريكية تطالب بمحاكمة بايدن وبلينكن أمام الجنائية الدولية
وفي 24 فبراير الماضي، أصدرت منظمة منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن ومقرها الولايات المتحدة المحكمة، بمذكرة تطالب المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن واثنين من أعضاء حكومته وهما أنتونى بلينكن وزير الخارجية السابق ولويد أوستن وزير الدفاع السابق، بتهمة التواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، موضحة أن نمط من القرارات المتعمدة والمقصودة من قبل هؤلاء المسؤولين لتوفير الدعم العسكري والسياسي والعام لتسهيل الجرائم الإسرائيلية بالقطاع بما في ذلك ما لا يقل عن 17.9 مليار دولار من عمليات نقل الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والمساعدة في الاستهداف، والحماية الدبلوماسية، والتأييد الرسمي للجرائم الإسرائيلية، على الرغم من المعرفة بكيفية تمكين مثل هذا الدعم من ارتكاب انتهاكات جسيمة إلى حد كبير.
منظمة أمريكية تطالب الجنائية الدولية بمحاكمة بايدن وبلينكن
الخسائر الإسرائيلية أكبر بكثير من المعلن
من جانبه يؤكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن الخسائر الإسرائيلية في الحرب أكبر بكثير ما هو معلن، حيث يتم التكتم عليها وستكشف الفترة المقبلة الأرقام الحقيقية، مشيرا إلى أنه لولا دعم الغرب لوجدنا هذا الكيان انهار، إلا أن الدعم الاقتصادي الغربي خاصة من جانب الولايات المتحدة كان هدفه ضمان عدم انهيار الاحتلال.
وفي 23 نوفمبر، كشف تحليل البيانات الملاحية الصادر عن موقع "رادار بوكس"، تسجيل أكثر من 6 آلاف رحلة عسكرية في المنطقة مرتبطة بالدول الغربية خلال عام من الحرب، بجانب إقامة جسر جوي دائم بدعم غربي هائل لإسناد إسرائيل في قصف القطاع بأطنان من القنابل.
ويوضح في تصريح لـ"اليوم السابع"، أن أهم خسائر الاحتلال خلال الحرب حجم الهجرة الكبير من إسرائيل، كما أن كثيرين استقروا من كندا ولن يعودوا مرة أخرى، بالإضافة إلى القتلى أو الإصابات التى انتشرت تسريبات في الإعلام العبرى بأنهم وصلوا لـ5 آلاف قتيل و15 ألف جريح أصبحوا معاقين بشكل كبير وهي هزيمة كبرى في أطول حرب مرت على الكيان.