كشف تحقيق خاص أجرته بيل ترو، كبيرة المراسلين الدوليين لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، عن مزاعم بمعاملة وحشية للفلسطينيين في منشآت إسرائيلية، شملت الاغتصاب والتعذيب والإهمال الطبي والوفاة. وتنفي إسرائيل جميع الاتهامات.
وبدأت ترو تحقيقها بسرد ما تعرض له فلسطيني وجد نفسه محاصرًا بخمسة جنود، وهو مقيد اليدين ومرتجف على أرضية زنزانة في قاعدة عسكرية جنوب إسرائيل.
وزُعم أن جنود الاحتياط الخمسة، المسلحين بكلابهم، ركلوا الرجل ولكموه وداسوا عليه وهو ملقى على الأرض.
واستمروا في اعتدائهم عليه، وهاجموه بمسدسات الصعق الكهربائي وأدوات حادة، والاعتداء عليه جنسيًا بهذه الأدوات.
وفي إحدى المرات، زُعم أن الجنود طعنوه بشدة لدرجة أنهم اخترقوا أردافه وفتحة شرجه. وقد أدى هذا الاعتداء الوحشي المزعوم إلى دخول الرجل إلى المستشفى مصابًا بثقب في الرئة وكسور في الأضلاع وتمزق في المستقيم، مما استدعى إجراء عملية جراحية لفتحة الشرج، ولم تُوجه إليهم أي تهمة.
وأكدت معدة التحقيق أن هذه الرواية المروّعة ليست صادرة عن الضحية المزعومة، بل من لائحة اتهام الجيش الإسرائيلي نفسه ضد جنوده، والتي أطلعت عليها صحيفة الإندبندنت.
وتُعدّ هذه الرواية واحدة من قصص عديدة عن تعذيب مزعوم ضد معتقلين فلسطينيين محتجزين في إسرائيل. في وقت سابق من هذا الشهر، اتهمت الأمم المتحدة القوات الإسرائيلية باستخدام العنف الجنسي "كأسلوب حرب".
وزعمت أن "العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب والعنف على الأعضاء التناسلية، ارتُكب إما بأوامر صريحة أو بتشجيع ضمني من القيادة المدنية والعسكرية العليا في إسرائيل". رفضت إسرائيل التعاون مع الأمم المتحدة واتهمت مُعدّي التقرير بالتحيز.
وتصاعدت هذه الادعاءات بالوحشية منذ أن نفّذ مسلحو حماس هجمات 7 أكتوبر. وردا على أحداث السابع من أكتوبر، دمّرت إسرائيل قطاع غزة، مُخلّفةً ما يُقدّر بخمسين ألف شهيد وآلاف المعتقلين، وفقاً لمسؤولين فلسطينيين.
لوائح الاتهام وتقارير التشريح وشهادات القَسَم
ومع انهيار وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، سُلِّط الضوء على معاملة الفلسطينيين واعتقالاتهم الجماعية في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب قبل ثمانية عشر شهراً. تُشير التقديرات إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين قد تضاعف ليصل إلى ما يقارب عشرة آلاف. يُحتجز الكثيرون بمعزل عن العالم الخارجي، دون تهمة، أو أُفرج عنهم، وأُعيد اعتقالهم أحياناً.
جمعت صحيفة الإندبندنت لوائح الاتهام، وتقارير التشريح، وشهادات القَسَم من المعتقلين.
ويصف المعتقلون الوحشية ويدّعون تعرضهم لأشكال من التعذيب، بما في ذلك الاعتداء العنيف، والحرمان من النوم، والعنف الجنسي، وعدم الحصول على الرعاية الطبية.
ووجد تقرير تشريح جثة رجل توفي أثناء الاحتجاز استخدامًا مفرطًا للقيود، وأدلة على اعتداء عنيف، مما أدى في النهاية إلى نزيف في الدماغ.
وصرّح قبل أيام الفلسطيني حمدان بلال، الحائز على جائزة الأوسكار، بأنه تعرض للضرب بعقب بندقية من قبل جندي إسرائيلي، واحتُجز لمدة 24 ساعة في الضفة الغربية.
ويصرّ الجيش الإسرائيلي ومصلحة السجون على أن جميع أفرادهما يعملون في إطار القانون، وأن أي حالات إساءة هي "استثنائية".
ووفقًا للائحة الاتهام الموجهة للجنود الخمسة، فقد وُجهت إليهم جميعًا تهم التسبب في إصابات بالغة وإساءة معاملة في ظروف مشددة.
في بيان، أقرّ الجيش الإسرائيلي بأنه يجري التحقيق في هذه الحادثة وغيرها من حوادث الإساءة المزعومة: "لا تزال التحقيقات الإضافية جارية في مزاعم إساءة معاملة المعتقلين. أي إساءة معاملة للمعتقلين، سواء أثناء الاحتجاز أو الاستجواب، محظورة تمامًا، وتُشكّل انتهاكًا للقانون الإسرائيلي والدولي ولأنظمة جيش الدفاع الإسرائيلي".
استخدام مفرط للقوة.. كسور في الأضلاع..نزيف في الدماغ
واطلعت صحيفة الإندبندنت على تقارير متعددة حول تشريح جثث أعدها مسعفون إسرائيليون لعائلات فلسطينيين لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز.
بموجب القانون الإسرائيلي، يحق لعائلات المتوفى طلب حضور طبيب مستقل والتحقق من نتائج التشريح.
تُنقل بعض الجثث الفلسطينية إلى معهد أبو كبير للطب الشرعي في تل أبيب للتشريح، وتوضح التقارير حجم الإصابات.
وجاء فى تقرير عن فلسطينى محتجز في سجن مجدو، شمال إسرائيل، توفي في 13 نوفمبر 2023 "شوهدت كدمات على الجانب الأيسر من الصدر، مع كسور في الأضلاع وعظام الصدر أسفلها".
وأضاف التقرير "شوهدت كدمات خارجية أيضًا على الظهر والأرداف والذراع والفخذ الأيسر، والجانب الأيمن من الرأس والرقبة".
وفي حالة أخرى، كان رجل يبلغ من العمر 45 عامًا، توفي في ديسمبر 2024 أثناء احتجازه في سجن كيشون في شمال إسرائيل، يحمل "علامات متعددة على الاعتداء الجسدي والاستخدام المفرط للقيود، مما تسبب على الأرجح في نزيف مؤلم داخل الجمجمة".
وقال طبيب إسرائيلي أشرف على تشريح جثث معتقلين نيابةً عن عائلاتهم: "إن ظهور بعض علامات سوء المعاملة يعني أن هذا ربما يكون غيضًا من فيض".
ورفض الطبيب الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لكنه وصف حضوره تشريح جثة رجل في الثلاثينيات من عمره توفي أثناء احتجازه في الضفة الغربية في أكتوبر 2023. وكان يعاني من كسور في الأضلاع وتمزق في الطحال، "ما يشير إلى صدمة قوية".
المعاملة على أيدي الحراس الإسرائيليين
تتركز معظم الانتهاكات المزعومة في مركزي احتجاز: منشأة عسكرية جديدة داخل سجن عوفر الحالي في الضفة الغربية المحتلة، وقاعدة سدي تيمان العسكرية في جنوب إسرائيل.
وأدلى حارس إسرائيلي في سدي تيمان بشهادة مجهولة المصدر، سُرّبت إلى صحيفة الإندبندنت، حول الضغوط المزعومة لممارسة العنف ضد الفلسطينيين.
ووصف أول مرة التقى فيها هو والعديد من الجنود الآخرين بشخص من غزة، قائلاً إن الاتفاق كان "نعم، يجب ضربهم، يجب فعل ذلك". وأضاف "بدأنا نبحث عن فرص للقيام بذلك".
ويقول الحارس إنه عندما عبّر عن استيائه من ضرب سجين فلسطيني أثناء استجوابه، قال له جندي زميل: "اصمت أيها اليساري، هؤلاء غزّاويون، هؤلاء إرهابيون، ما خطبك؟"
ويضيف: "كبّلنا أيديهم بالسياج فوق رؤوسهم حتى لا يتمكنوا من فكّها. كان من الواضح أن الناس (الجنود) كانوا يتطلعون حقًا إلى فعل هذه الأشياء. عاقبناهم، نعم. صرخنا عليهم أيضًا".
في سدي تيمان، يصف معتقلون فلسطينيون جنودًا إسرائيليين يعزفون موسيقى راقصة صاخبة لا تنتهي في غرفة احتجاز خاصة تُسمى "الديسكو".
ويوضح محمد ر، 38 عامًا، الذي اعتُقل عند نقطة تفتيش شمال غزة أثناء فرار عائلته جنوبًا في أكتوبر، ونُقل إلى سدي تيمان قبل أن يقضي 40 يومًا في عوفر: "موسيقى الترانس تهدف إلى إضعافك نفسيًا قبل التحقيق".
ويزعم أحمد أ، 59 عامًا، وهو مهندس اعتُقل في خان يونس في فبراير ، ونُقل إلى سدي تيمان وأُفرج عنه بعد شهر، أنه تُرك في غرفة تُسمع فيها موسيقى صاخبة لمدة ليلتين ونصف.
ويقول: "كان يُجبر على الاستلقاء على الأرض. لم يكن يُسمح له بالوقوف أو الذهاب إلى الحمام، وكان بعض الأشخاص يتبولون على أنفسهم".