حسين عبد البصير

مسلسل "الغاوى".. أحمد مكى بين تحديات الانفصال عن "الكبير" والرهان على الدراما الشعبية الجادة

الجمعة، 28 مارس 2025 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى كل موسم رمضاني، ينتظر الجمهور إطلالة الفنان أحمد مكي، الذي ارتبط اسمه على مدار أكثر من عشر سنوات بالكوميديا الذكية الخفيفة عبر شخصية "الكبير"، التي تحوّلت إلى أيقونة رمضانية من خلال ثمانية مواسم ناجحة تركت بصمة يصعب تكرارها، لكن هذا العام، يخوض مكي مغامرة جديدة تمامًا من خلال مسلسل "الغاوي"، في خمسة عشر حلقة فقط، ضمن سباق الدراما القصيرة التي أصبحت رهانًا فنيًا جديدًا في السنوات الأخيرة.

 

نهاية أسطورة وبداية مغامرة

قرار أحمد مكي بوضع نهاية لسلسلة "الكبير" لم يكن مجرد تحوّل فني، بل تحديًا نفسيًا وإبداعيًا كبيرًا، فبعد أن ارتبط الجمهور بتتر المسلسل وأغنياته وشخصياته وتفاصيله، أصبح التخلّي عن هذه المساحة المريحة انتقالًا إلى منطقة محفوفة بالمخاطر. وفي "الغاوي"، يودّع مكي عالم الفكاهة الخالصة لينتقل إلى دراما شعبية شديدة الجدية، حيث تتحرك الأحداث حول قصة بلطجي سابق تتغير حياته بعد وفاة زوجته، فيسعى لتربية ابنه بطرق شريفة، ليصبح رمزًا شعبيًا في منطقته.

 

من الكوميديا إلى الدراما: هل نجح الانتقال؟

سبق لأحمد مكي أن غامر بالخروج من إطار الكوميديا من خلال دوره في مسلسل "الاختيار 2"، حين لعب دور ضابط شرطة ببراعة، لكن مع وجود شريك بطولة قوي هو كريم عبد العزيز. أما في "الغاوي"، فهو يتصدّر البطولة منفردًا، دون شبكة أمان. وهذا ما يجعل المسلسل اختبارًا حقيقيًا لقدرته على التحوّل الكامل من نجم كوميدي إلى بطل درامي شعبي.

يلمس المشاهد جدية الأداء، وضبط الانفعالات بعيدًا عن المبالغة، إن التحدى الأكبر هو قدرة مكي على الاستمرار بهذا النسق، دون الجنوح إلى الكوميديا التي تسرّبها تلقائيًا من شخصيته المحبوبة.

 

نص درامي تقليدي لكن مؤثر

قصة المسلسل وإن كانت لا تحمل مفاجآت كبيرة على مستوى الحبكة – إذ أن فكرة البلطجي الذي يتوب ويصبح بطلًا شعبيًا ليست جديدة – إلا أن الرهان هنا كان على كيفية تقديم القصة، لا على القصة ذاتها، النص يعتمد على مشاهد من الحياة اليومية، ويميل إلى إبراز قيم الرجولة والشرف والكرامة في الأحياء الشعبية، مع لمسة وجدانية مفعمة بالحزن والندم والرغبة في التعويض. وهذه معادلة لا تنجح إلا إذا صيغت بحس إنساني عميق، وهو ما يبدو أن فريق الكتابة حاول الالتزام به.

 

فريق عمل جديد.. خطوة محفوفة بالمخاطر

من المعروف عن أحمد مكي حبه للعمل مع فريق ثابت من الممثلين المقربين، مما يخلق أجواء من الألفة والانسجام. لكن في "الغاوي"، اختار الدخول في مغامرة جديدة مع فريق عمل مختلف، رغبة في تقديم تجربة متجددة. يبدو أن هذه المغامرة كانت محسوبة، لكن ظهرت بعض التفاوتات في أداء الممثلين الداعمين، مما يجعل المشاهد يقارنهم تلقائيًا بأسماء كان مكي يعتمد عليها سابقًا مثل محمد سلام أو هشام إسماعيل.

 

التوظيف البصري والحنين إلى "وقفة ناصية زمان"

لا يمكن تجاهل التشابه البصري بين مشاهد المسلسل وكليب أغنية "وقفة ناصية زمان"، والغية، والحمام، الزقاق الشعبي، وحتى النظرة الحنونة التي يحملها مكي في عينيه، هو يستدعي الماضي من خلال الصورة، دون أن يقول ذلك صراحة.

وهنا يتداخل الفن البصري مع الذكريات الشخصية للفنان نفسه، مما أضاف لمسة من المصداقية، لكنها حملت أيضًا خطر المقارنة بين النص الغنائي الموجز الذي نجح أيّما نجاح، والعمل الدرامي المطوّل الذي يحاول أن يحافظ على الوتيرة دون أن يقع في التكرار أو الرتابة.

 

الموسيقى التصويرية والديكور.. نقطة قوة

تميز المسلسل بموسيقى تصويرية ناعمة عميقة تعكس النبض الشعبي والوجدان المصري، إلى جانب ديكورات واقعية تم إعدادها بعناية، خصوصًا مشاهد الأسواق والغية والمقاهي الشعبية. هذا الاهتمام البصري والموسيقي ساهم في تعميق الأجواء، وإضافة مصداقية كبيرة للأحداث.

نقد

على الرغم من جودة العمل، تظهر بعض الملاحظات التي لا بد من الإشارة إليها:
1. بعض المشاهد بدت طويلة دون داعٍ، وكأن صناع العمل يخشون من قصر مدة الحلقة، مما أضعف الإيقاع الدرامي أحيانًا.
2. تكرار بعض الجمل الحوارية بشكل مباشر، كان يمكن الاعتماد أكثر على الصورة البصرية والنظرة الصامتة بدلاً من التوضيح المبالغ فيه.
3. شخصية البطل كانت بحاجة لمزيد من التدرج في التحول من البلطجي إلى الرمز الشعبي. بعض المشاهد أعطت إيحاء بالقفزات المفاجئة بدلًا من البناء النفسي التدريجي.

 

الخاتمة.. تجربة شجاعة تستحق التقدير

يبقى مسلسل "الغاوي" تجربة شجاعة لأحمد مكي في الانتقال من الكوميديا إلى الدراما الجادة، مع توليفة من العناصر الفنية المتقنة. قد لا يكون المسلسل قدّم حبكة جديدة، لكنه قدّم أداءً صادقًا وبيئة مصرية حقيقية وجدت لها صدى لدى جمهور يعشق الحكايات الشعبية الممزوجة بالألم والكرامة.

إنها خطوة أولى واعدة في مشوار مكي الجديد، تحتاج لمزيد من التنقيح والبناء في المستقبل، لكنها بداية تستحق الاحترام وتؤكد أن الفنان الحقيقي هو الذي لا يخشى الخروج من منطقة الأمان ليختبر قدراته أمام جمهور لا يرحم.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة