فى عام 1953، انتقل أحد كبار الفنانين البريطانيين، إل جى جى رامزي، إلى منزل جديد واحتاج إلى المال لشراء ستائر جديدة، كان حله بيع لوحة زيتية لأنتونى فان دايك عبر وسيط فى دار كريستيز للمزادات بلندن، وفقا لما نشره موقع" news.artnet".
بيعت صورة أحادية اللون للدوق فولفغانغ فيلهلم من بفالز-نويبرغ، مرتديًا درعه ومزينًا بسلسلة الصوف الذهبي، مقابل 189 جنيهًا إسترلينيًا (ما يعادل حوالى 7000 دولار أمريكى اليوم). لكن ما يثير الدهشة؟ لم تكن اللوحة ملكًا لرامزي، بل سرقها من منزل بوتون، وهو منزل فخم فى نورثهامبتونشاير، أثناء زيارته بصفته محررًا لمجلة ذا كونويسور، وهى مجلة فنية رائدة آنذاك.
هذا هو الاستنتاج الذى توصلت إليه ميريديث هيل، أستاذة تاريخ الفن بجامعة إكستر، حلَّت بذلك لغزًا ظلَّ يُثار لثلاثة وسبعين عامًا، تقدِّم استعراض هيل المُستفيض للرسائل الشخصية، وأرشيفات منزل بوتون، وسجلات كتب المزاد العلني، وكتالوجات المعارض، رامزى كرجلٍ نبيلٍ محتالٍ، استطاع، بمساعدة شركائه المتواطئين، التملص من المتاعب لسنوات (توفى عام 1990).
وقالت هيل عبر البريد الإلكتروني: "أعمل على كتاب عن الرسومات الزيتية "لفان دايك" وعثرت على صفحة من الملاحظات القديمة فى الأرشيف تلخص أفكار العائلة حول ما قد يكون حدث".
نتائجها، التى نُشرت مؤخرًا فى مجلة الفن البريطانية، حاسمة، لدرجة أن جامعة تورنتو، التى وُرِثت لها لوحة فان دايك عام 1981، صوّتت على إلغاء انتفاعها باللوحة بعد مراجعة بحث هيل، أُعيدت اللوحة إلى متحف بوتون هاوس فى أوائل عام 2024.
أن لوحة فان دايك من منزل بوتون قد وجدت فى مقتنيات جامعة كندية يدل على طبيعة القصة المتناثرة وغير المتوقعة، ولعلّ أكثر ما يُثير الاهتمام هو أن اكتشاف اختفاء لوحة فان دايك لم يكن إلا من خلال لقاء صدفة.
فى عام 1957، كانت دوقة بوكليوش فى جولة خاصة بمتحف فوج للفنون بجامعة هارفارد عندما عُرضت عليها لوحة بورتريه لأمير ألمانى بريشة فان دايك، وقد أذهلها تشابهها مع لوحة من مجموعة العائلة، وهى معلومة يبدو أنها نقلتها إلى الوطن، إذ تشير مذكرة من أرشيف بوتون إلى أن "لوحتنا مفقودة، لا أجد أى مرجع أو دليل على أنها أُعيرت أو أُرسلت".
كانت صورة فولفغانغ فيلهلم واحدة من 37 رسمًا زيتيًا، تُعرف باسم "جريساي"، استخدمها فان دايك لرسم صور معاصريه، من أمراء وقادة عسكريين وفنانين وعلماء،كانت هذه اللوحة جزءًا من العائلة منذ أواخر القرن السابع عشر، حيث أقاموا فى منزلهم فى وايتهول لأكثر من قرنين من الزمان قبل إجلائهم إلى الريف خلال قصف سلاح الجو الألمانى للندن.
بعد التأكد من غيابها، كتب دوق بوكليوش إلى متحف فوج طالبًا تتبع مصدر اللوحة، مع مراعاة "إعادتها إلى موطنها الأصلي"، لم يكن لدى المتحف أى اهتمام بالاحتفاظ بعمل يُحتمل أن يكون مسروقًا، ولكن ثمة مشكلة: لوحة فان دايك كانت مُعارة من ليليان مالكوف، التى كان المتحف يأمل فى وراثة مجموعتها، الادعاء بسرقة اللوحة قد يُعرّض أى هدية من هذا القبيل للخطر.
تتبع هيل حركة اللوحة رجوعًا إلى الوراء، تمامًا كما فعل دوق بوكليوش وجون كوليدج، مدير فوج، قبل ستة عقود، يصل كلاهما إلى رامزي. تكتشف هيل وجود رجلين على صلة بالخبير ساعدا فى تسهيل المخطط.
أولاً، تاجر الأعمال الفنية يوجين سلاتر، الذى كان وكيلاً للأعمال الفنية فى دار كريستيز، مما أدى إلى طمس هوية رامزي، وكتبت هيل أن معرض سلاتر فى شارع أولد بوند "تلقى إشادات حماسية بشكل متكرر" فى المجلة.
ثانيًا، مؤرخ الفن لودفيج جولدشايدر، الذى قدّم شهادةً للوحة قبل طرحها فى المزاد، مُعلنًا أنها "أصلية رائعة وفى حالة ممتازة"، وكُلّف جولدشايدر بانتظام بنشر مقالات علمية فى المجلة.
قال رامزى إنه عثر عليها عام 1950 فى كشك بسوق هيميل هيمبستيد، وهى بلدة تبعد حوالى 20 ميلًا شمال غرب لندن، أرسلت كريستيز مديرها الإدارى أليك مارتن للتحقيق، لكن السوق لم يعد موجودًا ولم يُعثر على البائع. ومع ذلك، وكما أشار كينيث كلارك، وهو شخصية بارزة فى عالم الفن البريطانى ومستشار بوكليوش، فإن دار المزادات تعرضت للخطر أيضًا، فبعد فشلها فى التحقق من مصدر اللوحة بدقة، كتب أن "كريستيز ستخسر ما يقارب خسارة الشخصيتين الأخريين إذا ثبت أن اللوحة مسروقة".
كان هناك تفسير أبسط بكثير لكيفية حصول رامزى على اللوحة: فقد أخذها من منزل بوتون خلال زيارته استعدادًا لطبعة عام 1952 من المجلة السنوية لمجلة "ذا كونويسور ". فى ذلك العام، تضمنت المجلة سبع صفحات عن العائلة، وعمارة العقار، ومجموعته الفنية العالمية. ولم يكن من المستغرب غياب لوحات فان دايك.
لوحة للفنان أنتونى فان دايك