ليس هناك من يزايد على مواقف الكنيسة الوطنية المصرية من القضية الفلسطينية، وما يحدث من عدوان وحرب ابادة وتجويع ضد الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية.
فالكنيسة المصرية ينضوى تحت لوائها العدد الأكبر من مسيحى المنطقة، وبقيت دائما متمسكة بثوابتها ومحافظة على مواقفها ومبادئها تجاه قضايا المنطقة وبصورة خاصة القضية الفلسطينية.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة فى الأسبوع الأول من أكتوبر العام الماضى والبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية يعبر دائما عن استنكاره البالغ لما يحدث فى فلسطين من قصف ودمار وخراب وقتل، وعبر عن الألم الذى يعتصر القلوب بسبب ما يحدث فى وأدان بإسم الكنيسة القبطية الأعمال الوحشية التى يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلى ضد الشعب الفلسطيني.
غير أن ظهور وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو على شاشة فوكس نيوز نهاية الأسبوع الماضى أثار الكثير من الجدل والاستنكار، حيث أطل على شاشة القناة وعلى جبهته صليب مرسوم بالرماد لدى تعليقه على " صليب وزير الخارجية الأميركى مظهر غير تقليدى للمسئول الاول عن الدبلوماسية والسياسة الخارجية الأمريكية، ويعكس التناقض الكبير ما بين المواقف والتصرفات فى السياسة الخارجية، وبحسب وكالة الأنباء الكاثوليكية، ومقرها فى ولاية كولورادو، يرمز وضع الكهنة لهذا الصليب على جبين المصلين إلى التوبة والندم على الأخطاء ويستخدم الرماد فى هذا اليوم للتذكير بفناء الإنسان، ويستخلص من أغصان النخيل المحروقة التى استخدمت فى آخر عيد للشعانين الذى يسبق عيد الفصح.
وخلال "أربعاء الرماد" لا يفترض أن يأكل الكاثوليك اللحوم، وتطلب الكنيسة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاما أن يصوموا، ولا يمكنهم أكل سوى وجبة واحدة خلال اليوم.
البيت الأبيض أقام قداس كاثوليكى للموظفين فى البيت الأبيض، وأصدر الرئيس دونالد ترامب والسيدة الأولى ميلانيا ترامب بيانا بالمناسبة أكد فيه " أن موسم الصوم الكبير المقدس هو وقت من الترقب الروحى لآلام وموت وقيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وان أتباع المسيح يرتدون اليوم صلبانا من الرماد على جباههم، "تذكير مقدس بفنائنا وحاجتنا الدائمة لرحمة المسيح اللامتناهية ومحبته الفدائية". ترامب اختتم البيان بقوله "دعونا نعد أرواحنا لمجد معجزة عيد الفصح القادمة".
ظهور وزير الخارجية الأميركى وبيان ترامب الذى يقطر " بالتقوى والايمان والرحمة والتسامح" أثار الغضب والاستنكار من هذه الشيزوفرينية الاميركية، وكانت تستدعى ردودا وتعليقات من كنائس العالم تذكر ترامب ووزير خارجيته بالقيم المسيحية المستباحة فوق أرض فلسطين والمجازر وحرب التجويع التى تمارسها حليفتها اسرائيل ضد المسيحيين والمسلمين فى غزة وفى القدس وفوق كل بقعة من أراضى فلسطين المحتلة.
شخصيا أتوقع أن تصدر الكنيسة المصرية بيانا أو تعليقا من البابا تواضروس الثانى على " صليب وزير الخارجية " وبيان البيت الأبيض الذى يتجاهل قيم الرحمة والعدل والمحبة والتسامح والانسانية مع الشعب الفلسطينى ويمارس أقصى درجات الانحياز ضده بدعم الكيان بالسلاح وتأييد حربها ومجازرها ضد الشعب الفلسطينى دون اعتبار لأية قيم انسانية أو دينية.
أعجبنى المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس فى تعليقه على صليب وزير الخارجية الأميركى ماركو روبيو. فمن يريد ان يتزين بالصليب وان يفتخر بصليبه عليه ان يتعلم من المصلوب قيمة المحبة والرحمة والإنسانية .نذكره بأن المسيحى الحقيقى يجب ان يكون منحازا للمظلومين والمتألمين والمعذبين وليس إلى جانب الظالمين الذين يمارسون عنفهم ومظالمهم بحق الشعوب، ومن يريد ان يفتخر بالصليب وان يجاهر بمسيحيته، عليه أن يؤكد وأن يعترف بأن هنالك ظلما تاريخيا تعرض له شعبنا الفلسطينى ويجب ان يزول هذا الظلم لكى ينعم شعبنا بالحرية والسلام التى يتوق اليها.
وإما أن يكون حاملا للصليب ومؤيدا للظلم والاستبداد والقمع بحق أبناء شعبنا فهنا يحق لنا ان نتسائل أين هى القيم المسيحية من كل هذا؟! ولماذا يمعن هؤلاء السياسيين فى الاساءة للمسيحية وتشويه رسالتها وكأنهم عدو داخلى للكنيسة يستهدفها من الداخل وهم لا علاقة لهم بقيم الايمان ورسالة الانجيل فى عالمنا .
المغزى من صليب وزير الخارجية الأمريكى يفسر بأن التطرف الدينى الذى يعبر عن اليمين المتطرف داخل البيت الأبيض يتعامل بمعايير مزدوجة، ليس فقط فى السياسة، ولكن أيضا فى القيم الدينية وتطبيق معاييرها على ابناء الديانة الواحدة ويبدى التعصب الدينى من خلال ممارسة السياسة الخارجية. فروبيو – 53 عاما-المولود فى ميامى بفلوريدا هو ابن مهاجرين كوبيين غادرا كوبا سعيًا وراء الحلم الأمريكي. عمل والده نادلا وساقيا فى المآدب، بينما قسمت والدته وقتها فى العمل كأم ربة بيت وخادمة فى فندق. ومعروف عنه انحيازه السافر إلى جانب إسرائيل فى حربها ضد الشعب الفلسطيني.