أحمد طنطاوى

الروائيون الجدد.. ثلاثة اتجاهات وسبع سمات

الأربعاء، 12 مارس 2025 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى كتابه "الرواية العربية الحديثة" فصل الدكتور حمدى السكوت بين نجيب محفوظ والأجيال الشابة التى تلته بجيل سماه "جيل ما بعد نجيب محفوظ"، ومنهم: "يوسف إدريس"، "فتحى غانم"، "عبد الرحمن الشرقاوى"، "محمد عبد الحليم عبد الله". وغيرهم، ما يعنى أن مصطلح "الروائيون الجدد"  يبدأ من الجيل الرابع الذى عُرف "بجيل الستينيات" (ويشمل معه جيل "السبعينيات" أيضا)، فنحن إذن أمام أربعة أجيال، هم: الرواد ونجيب محفوظ وما بعد نجيب والستينيات ما تلاها.

وكان لكل من هؤلاء سمات روائية محددة، بل ولكل كاتب داخل الجيل الواحد، بيد أن السمات الأكثر عمومية تجمع هذا التشقيق داخل مجموعتين رئيسيتين، هما: جيل الرواد ونجيب وما بعده فى جانب، ويشكلون كتاب الرواية التقليدية/ الكلاسيكية، ثم الأجيال التى تلت "ما بعد نجيب" فى جانب آخر يشكل كتاب الرواية الجديدة، فمنهم من جيل الستينيات: جمال الغيطانى، وبهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، ويوسف القعيد، ومحمد البساطى، وهالة البدرى، وغيرهم، ومنهم من جيل السبعينيات: "عبده جبير"، و"صلاح عبد السيد"، و"سلوى بكر"، و"يوسف أبو رية"، و"محمود الوردانى"، و"رضا البهات"، وغيرهم، ومنهم أيضا من جاء بعد هؤلاء حتى ثورة 25 يناير 2011، فبعدها توقع النقاد فصلا جديدا فى طبيعة الرواية المصرية، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن هذا التحديد هو على سبيل التغليب، فبعض هؤلاء الكتاب هنا أو هناك يقفون فى المنطقة الرمادية بين الأجيال، فيحسبون مرة إلى هؤلاء ومرة إلى أولئك، وإبراهيم عبد المجيد، وعبد الفتاح الجمل، وإدريس على أمثلة على هذه الأسماء (تقف بين جيلى: الستينيات والسبعينيات).

فكتاب النوع الأول (الرواية التقليدية) يهتمون بالحبكة والإيهام بالواقعية وإنماء الشخوص وتعيينها من جوانبها الثلاث: الجسمانية والاجتماعية والنفسية، كما تتحور كتاباتهم حول حدث منسوج بمنطق سببى، داخل إطار زمنى تعاقبى، يقدم عقدة وحل.. إلخ، أما كتاب النوع الثانى (الرواية الجديدة) فيعتمدون البنية المفتوحة وإقصاء الحبكة والديكور، بل والشخصيات، وتحقيق انقلابات زمنية تعطى حرية التنقل بين الماضى والحاضر والمستقبل، والقفز بين مستويات مجرى الشعور: تيار وعى، مناجاة: داخلية وخارجية، ومونتاج: زمانى ومكانى، وحلم، وكما قصدوا إلى جدة الشكل باستخدام خاص للعتبات النصية، والتوزيع، والتشظى (البتر السردى)، وتوظيف الفلكلور، والسيرة الذاتية (التذويت)، والتحرر من قيود البلاغة واللغة المحفوظة، واستخدام التلميح والصمت، وتنويع الضمائر (الالتفات)، وتعدد الأصوات لإكساب العمل الحيادية، وتنويع الحوار وتسريعه مع السرد بالاقتضاب والاكتناز.. إلخ

لكن سمات الرواية ليست ذاتها سمات الروائيين، صحيح أن بينهما شىء من التداخل، إلا أن لكل منهما ـ فى النهاية ـ طبيعة مختلفة، وقد اهتم عدد من النقاد بالنظر فى السمات المشتركة المتحققة فى مجموعة من الكتاب الذين يمكن جمعهم تحت مسمى "جيل"، خاصة إن كانت هذه المجموعة قد مرت بالظروف ذاتها أو خضعت لمسارات ومؤثرات متقاربة، وهو ما تحقق خلال فترتى الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، فقد عاش هؤلاء تفاصيل الطامة الكبرى (نكسة 1967)، وما تلاها من أخطاء وتنازلات مع انكسار المد القومى والاشتراكى، ثم الانعزال عن المحيط الإقليمى بالصلح مع المحتل فى الأراضى الفلسطينية وسياسة الانفتاح التى أطلقت غول الفساد من عقاله، إضافة للغزو الثقافى الوهابى من الشرق والانحلالى من الغرب ما سمّم الحياة المصرية وضرب الهوية الوطنية ضربة مزدوجة، فعلا صوت الراوية بالنقد السياسى والاجتماعى القاسى، متجاهلة المحاولات المستمرة المستديمة لتخدير الشعب بالشعارات والوعود التى لا تتحقق أبدا، فكما كانوا متمردين على الرواية التقليدية، كانوا أيضا متمردين على الأوضاع السياسية والاجتماعية التى خضعت لها مصر.

من هؤلاء النقاد المهتمين بالبحث عن السمات المشتركة لجيلى الستينيات والسبعينيات: سيد البحرواى فى كتابه "الحداثة التابعة فى الثقافة المصرية"، ومصطفى عبد الغنى فى كتابه "قضايا الرواية العربية"، وعبد الرحمن أبو عوف فى مقال له بعنوان: البحث عن طريق جديد للرواية نشر فى إحدى دوريات كتاب "الرواية قضايا وآفاق"، ولى هنا أن أجمع هذه السمات بشكل مجمل أخضعه ـ بالتصرف ـ لترتيب وتقديم الفكرة بشكل كلى، ومن ثمّ نجد أن هذين الجيلين قد سارا فى مسارات ثلاث، خصها سيد البحرواى بجيل الستينيات لكنى أراها ممتدة أيضا فى جيل السبعينيات ومن تلاهم، وهى:

أولا/ العودة للتاريخ، لا ليكون مادة للرواية فحسب، وإنما ليكون إطارًا شكليًا تستمد منه التقنيات واللغة وأحيانًا الهيكل العام للبناء، وهو التيار الأكثر شيوعًا لدى هذا الجيل.
ثانيا/ اللجوء إلى التراث/ الفلكلور، وهو تناص هو الآخر، وبعضهم يحاول تحديث هذا الفلكلور والاهتمام بالحى والمعاش منه.
ثالثا/ محاولة تعميق الشكل الواقعى للرواية، وإغنائه بتقنيات ولغات قادرة على الغوص فى الأساطير المعاشة للزمن الراهن، أو تمتد إلى الماضى السحيق.

وعبر هذه الاتجاهات الثلاث يمكن رصد مجموعة السمات البنائية العامة، التى جمعت كلا الجيلين المتمتعين بحساسية أدبية كبيرة، جعلتهما يلتزمان البحث عن صياغات وتقنيات وأساليب تعبيرية حداثية تحكمها رؤى ووجهات نظر جديرة بالفهم والتعاطف والنقد، كما يقول الناقد عبد الرحمن أبو عوف، ومنها:
1. الاهتمام بخصوصية المكان وطابعه المميّز، وتكشّف أثره على الحياة.
2. الاهتمام بخصوصية الشخصية، وبروز الأبعاد الصوفية، والأسطورية، والسلوكية/ السيكولوجية، والآثار العميقة للتمزقات التى يعيشها الإنسان.
3. مزيد من الإغناء التركيبى الفنى ونبذ التركيب التقليدى البسيط المعتمد على مخطط مستند إلى تسلسل الأحداث.
4. تعاون قدرات اللغة وتصارعها فى الوقت ذاته بمستويات عدة: لغة الشعر/ الصحافة، والوثائق/ الحياة اليومية ذات الطابع العامى/ لغات الفنون... إلخ، الأمر الذى أتاح للرواية العربية خصوصية حقيقية وفنية عالية بتبلور هذه المحاولات وتكاملها.
5. الخيال الجامح، وتحدى المجتمع.
6. الولع بتجديد المعمار الروائى، والتمرد على إطار الحدث
7. الواقعية الأكثر مأساوية وخيالا، التى كانت اتجاهًا طبيعيًا تتطلبه الفترة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة