حازم حسين

عمائم ملوّنة وفسيفساء متكسرة.. الفتنة ليست نائمة فى سوريا واللعنة على مَن أنكرها

الثلاثاء، 11 مارس 2025 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يُمكن أن تربح فى أية لعبة جديدة من المرة الأولى. يكفى الحظ لاحتمالية المرور؛ لكنه لا يستوفى اشتراطات الاحتراف، وبطبيعة الحال لن يسمح لك بالبدء مُدربًا، ومُحاضرة الآخرين فيما يصح أو لا يصح، وما يتوجّب عليهم إتيانه لأجل الإجادة، وعلى طريق اكتمال المهارة وقنص البطولات.

حظ المُبتدئين أتاح للجولانى أن يخلع العمامة ويعقد رابطة العُنق، وأن يُستقبَل فى الرياض وأنقرة بصفة الرئيس، ويخطب أمام القمة العربية الطارئة مُمثّلاً للشام. يسَّر له أن يشطب ماضيه الأسود بكلمة عابرة، وأن يُوفِّر له الرَّعاة جمهورًا مُتأججًا بالهُتاف والتصفيق، وجاهزًا لعَقد لواء الولاية للمَدنىِّ الخارج سباحةً من مستنقع الأُصولية والدم.

فريقان انقسما على التجربة: داعمون عاطفيون تحرّكهم الأيديولوجيا أو يسوقهم الضيق من تراث البعث والأسدين، ورافضون عقلانيون ما ارتاحت عقولهم إلى القفزات غير المنطقية، وإعادة ضبط المصنع بضغطة زِرّ، وإطلاق المُنتج القديم تحت علامة تجارية جديدة، مُضادّة لها تمامًا، ولا رابط بينهما من أى وجه على الإطلاق.

وبهذا؛ يتبدّى الوافد الجديد مُطوّقًا بالانقسام منذ الخطوة الأولى. الحاضنة اللصيقة فكرًا واعتقادًا ستقبل منه ما لا يُقبَل من غيره، والمناوئون لن يرضوا عنه ولو أشعل أصابعه شموعًا. ماضيه يتربّع فوق رأسه مهما أنكر، وحُلفاؤه بايعوه على مُشتركات لا نعلمها، والدولتية والداعشية لا ينسجمان، وعبء الخروج من غابة التناقضات تلك يقع على عاتقه مُنفردًا.

عاش السوريون مأساة كاملة لنحو أربع عشرة سنة. وفرش الأسد الابن طريق خلافته بالورد؛ ولو كان الخليفة داعشيًّا أو آتيًا من خارج فضاء السياسة والدولة أصلاً. باختصار؛ هرب الناس من الشرّ المعلوم إلى سواه، وما توقفوا للسؤال إن كان خيرًا أو شرًّا، بل لو أتاهم الشيطان نفسه لبايعوه على الخروج من زمن المأساة المعلومة، على أمل ألا يُفضى لمآسٍ بديلة.

هُزِم الأسد ولم ينتصر الجولانى، ويُخطئ الأخير لو تصوّر أن دخوله قصر الشعب تحصَّل بالسلاح فى هَبّة ديسمبر، أو أنه من آثار الحرب الأهلية الدائرة منذ فاتحة العقد الماضى. كان الأمر حصيلة توازنات إقليمية ودولية، ونتاج تكثيف للدعم وراء واحد، وانفضاضه من حول الآخر؛ فكأن قرارًا اتُّخذ خارج الشام أصلاً بتنحية الساقط وتولية الصاعد.

وإزاء لعبة الميكانو المُدارة وراء الحدود أصلاً؛ فإن الرحيل والوفادة لا يعبران عن دراما خاصة، ولا مفاعيل داخلية تُعيد ترتيب الأوراق والنظر للسياسة من أُفق وطنى صافٍ. كان بشّار أداة لدى الشيعية المُسلّحة؛ أقله منذ العام 2015، ووارثه اليوم بيدق على رقعة العثمانية الجديدة، وكلاهما ما كانت له الخيرة من أمره، ولا يحكم فى شىء حتى نفسه، وعلى الساعين للاتصال به أو الانفصال عنه، الذهاب إلى مُشغّليه رأسًا.

وليس القصد مِمَّا فات تبرئة أيِّهما من الخروقات الواقعة تحت ولايته، ولا تصويره على صورة الساذج المُغرَّر به؛ بل إعادة النظر للصورة من مسقط صحيح، واستقراء الأبعاد الحقيقية للمشهد فى تبدلاته؛ بحيث لا نظل عاكفين على السرديّة المُشوّهة عن الصراع السورى السورى، وعن أفضلية طرف على طرف، أو اختراع الشرعية من العَدم، وتحت لافتة أقرب للحق الذى يُراد منه عموم الباطل.

صعد الأسد الابن بقرار حصرى من الأب، وحل الجولانى على العرش ذاته اليوم بقرارٍ من آباء آخرين، صحيح أننا نجهل حجم التوافق على عملية الإحلال، ونسب الشراكة بين اللاعبين فى تفكيك الحُكم وإعادة تركيبه من طينة مُغايرة؛ إلا أنها ليست عملية شعبية فى الحالين؛ فلا الديمقراطية رافقت القديم فى قدومه وبقائه الطويل، ولا الثورة خلعته، ولا شرعية الشارع انتدبت بديله فى سلطة الأمر الواقع، وهو أقرب فقهيا لتعريف «المُتغلِّب بالسيف»، وعَمليًّا إلى أحمد الجلبى وأشباهه مِمَّن دخلوا العراق على دبابات الأمريكان.

دمشق مدينة أُمويّة حتى النخاع، ويبدو أنها تصبغ حُكَّامها بلونها العتيق، لا فارق بين بشَّار العلوىِّ بمسحة علمانية، أو الجولانى السُنِّىِّ بنكهة جهادية. كلاهما يُشبه يزيد، أو يتشبّه به، ولا كرامة لتقىٍّ أو كريم نسب طالما يُنازع السلطان فى سلطانه، ومعيار الفرز الوحيد أن تُبايِع أو تُباع، ثم نبحث فى المُبرِّرات التى على ضوئها يُقرَّب القريب ويُبعَد البعيد، وتطير رؤوس الموعودين بالموت؛ لا لشىء إلا أن يكونوا عِظَة للخاضع والجاحد، أو صِبغةً للعرش والعهد.

سوريا مساحة عريضة من الألوان، فسيفساء ثريّة عِرقًا ودِينًا، ولكلٍّ منها عِمامته بهيئتها وألوانها. واجب الدولة أن تصون التنوّع وتُجيّر طاقته لصالحها، وأن تصنع «قوسَ قُزحها» الخاص من تلك التلاوين، بحيث يظل كلٌّ منها قائمًا بذاته، وتتداخل معًا فى سبيكة طيفيّة واحدة. وما حدث فى الحقبة الأسدية أن الهيئات والألوان طُمِسَت تقريبًا، وما يُحدثه ضباعُ الأُصولية اليومَ أنهم يُكسِّرون الفسيفسائية ويُؤلِّبون العمائم على بعضها.

ربما يكون لأحداث الساحل السورى الأخيرة ظل سياسى؛ لكنها غير معزولة تماما عن الطائفية. لا يمكن القفز سريعا على علوية الأسد، بما يواكبها من تداخل وسوء فهم وثارات معلقة، كما ليس من حسن الفِطَن القفز على حالة الجولانى بتمثلاتها، والطبيعة الراديكالية للطبقة التى صعد بها، ويحكم من خلالها، ولا ترى العالم خارج نزاعات المعتقد والمذهب، وتقدم العدو القريب دوما على البعيد، وغرامها كله فى الولاء والبراء والاستعلاء بالدين.

الطائفية حقيقة ماثلة فى الشام، ومن واجب المأسسة الاجتماعية والسياسية أن تديرها، لا أن تنكرها أو تُناطحها.. ومن الحقائق أيضا أن سوريا جُرّفت طويلا، وتهشمت ميثاقية العيش المشترك والمواطنة المتكافئة جراء عقول الشمولية والحرب، فعاد الناس جميعا لانتماءاتهم الأولية الضيقة، وغلب الفردى فى الهوية على الجماعى، وليس من أثر ذلك أن ينظر السوريون لبعضهم من زاوية الآخر المختلف فحسب؛ بل إنهم ينظرون للمجال العام من ثقب الطائفة، ويفكرون فى البلد بالعاطفة لا العقل.

لا حاجة أو معنى للتفاصيل الدقيقة من الحكاية. يُقال إن عناصر الأمن العام ذهبوا لتنفيذ مذكرة ضبط بحق أحد المطلوبين فى ريف مدينة جبلة، فتعرضوا لإطلاق نار من فلول نظام الأسد، ثم تطور الأمر إلى قتال وخروقات متبادَلة. الخلاصة أن المناطق التى يغلب عليها المكون العلوى شهدت مذابح نكراء، وقُتل الناس على الهوية داخل بيوتهم، وبينهم نساء وأطفال، ونُهبت الممتلكات وكَبّر القتلة على جثث الضحايا. وأخطر ما فى الأمر أنه أُدير تحت لافتة الدولة؛ حتى لو كانت مخطوفة ولم تستعد انتظامها المؤسسى خارج المَلشنة والاحتكار الأصولى.

تفجّرت الوقائع فى نهار الخميس، وامتدّت المقتلة الطائفية بوحشية وانفلات ليومين كاملين، وما توقفت تماما إلا أمس، عندما أعلنت وزارة الدفاع فى الحكومة الانتقالية «انتهاء العملية العسكرية بعد تحقيق أهدافها» بحسب منطوق متحدثها، من دون إيضاح طبيعة الأهداف، ولا الإفصاح عن أعداد القتلى والموقوفين من الفلول والخلايا المزعومة؛ فكأنهم يُصرحون من حيث لا يريدون قطعا، بأن الهدف كان فى الترويع وكىّ الوعى العلوى، وصناعة أمثولة التوظيف لاحقا فى مهمة تقويم الأقليات ونمذجة علاقتها بالسلطة الباطشة.

أطل الجولانى للمرة الأولى مساء الجمعة. تحدث كزعيم ميليشيا جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) لا كرئيس دولة. أنكر ضمنيا كل الجرائم الموثقة بصريا، واختزل المسألة فى ثنائية الثورة والفلول، وما أقر بالخطأ ولا اعتذر، ولا وجه بالتقصى والتحقيق ومحاسبة المتورطين. بدا الرجل فى إطلالته طائفيا خالصا، يتصنّع الاعتدال لاعتبارات المواءمة فحسب، وينشغل بشرعنة مواقف رجاله فى المقام الأول، وتصليب ظهورهم، وطمأنتهم إلى صلاحية الشعارات الثورية والخلاصية لتغطية مهامهم الطائفية القذرة.

إطلالة ثانية لم تختلف كثيرا؛ ثم انقلبت الطاولة نسبيا. كثافة المشاهد المؤذية أجّجت الغضب من السلطة الأصولية إقليميا وعالميا، صحيح أنه تحصل على بيانين أو ثلاثة توقع له على بياض، لكنّ دولا أخرى أكثر تعقلا حافظت على مواقف متوازنة لا تلغ فى الدم، وأطراف ثالثة استهجنت وأدانت، وكان التحول الكبير مع بيان الخارجية الأمريكية، ومن بعدها دعوة مجلس الأمن لجلسة مُغلقة بشأن المجزرة. استفاق الجولانى أخيرا، أو دُفع من الجهات التى فرضت عليه الرمادية قبلاً؛ فاعلن تشكيل لجنك تحقيق، والتحضير لثانية تكون وظيفتها تدعيم السلم الأهلى.

اعترف الحاكم بالتجاوزات ضمنيا؛ لكنه أبقاها تحت لافتة بقايا النظام ومحاولات صناعة الفتنة. يقول ببجاحة إن ما حدث «مشاكل متوقَّعة»، ولا يبرر تقاعسه عن التحسب لها طالما أنه يتوقعها مسبقا. يقول بصلابة: «لن نسمح لقوى خارجية أو محلية بجَرّنا للفوضى والحرب الأهلية»، ويتجاهل أن سوريا قابعة فى فوضاها واحترابها الأهلى بالفعل، والسؤال يجب أن ينصرف إلى بحث مسار السلم والتنظيم، وليس الإنكار أو ادعاء التصدى لخطر حاضر ومُخيّم بثقله فعلا.

أنكر الرئيس المؤقت لحسابات حركية لا نظامية، وعندما تراجع معترفا كان لاعتبارات خارجية فوق وطنية. يشغله المقاتلون الأصوليون أكثر من الدولة والناس، ورضاء الرعاة أو الأمريكان أهم عنده من التنظيم وعناصره. لا سوريا مطلوبة لذاتها، ولا حتى هيئة تحرير الشام؛ فكلتاهما وسيلة لغايات أخرى، وعليه فلا قيمة للبشر من الجانبين: يُقتَل العوام لتثبيت المجاهدين، وإن ضاقت سيُضحى بإخوة الجهاد لصالح الفكرة، وبإمكان الأغلبية أن تخوض مكاسرة على الأعداد وخزانات الدم، منا قتيل ومنكم، وسنبقى طبعا ويفنى الآخرون
معضلته الحقيقية فى أنه يرقص على حبل مشدود بين نارين. ربما يكون براجماتيا، أو يتصنع التقية والمعاريض؛ لكنه يتحرك بسرعة تتجاوز فصيله الرجعى، وتتباطأ كثيرا بالنظر لطبيعة المجتمع. جاء من كهف مظلم إلى بيئة مدنية حديثة، لا يمكنه أن يصدم وعى البدائيين الطالعين معه، كما لا يستطيع مجاراة المعاصرين الذين تجاوزوا سرديات القرون الأولى بما فيه من خير وشر. ينشد لفريق يطلب الموت، ويلمع فى عينيه فريق يهيم بالحياة، ولا سبيل للتوفيق بينهما دون انحياز واضح؛ لكنه أضعف من اتخاذ القرار، وربما لا يملكه من الأساس.

منذ أُحكِمت قبضة الميليشيات على السلطة بعد رحيل الأسد، تقرر فيما بينهم أن يحتكروا المجال العام. يُمكن أن يُحمَل الأمر مبكرا على الحاجة للصلابة والتجانس، وأن طبيعة الظرف تقتضى تغليب الثقة على الكفاءة، والولاء على المواطنة. لكن كان يتعين أن يُرفَد ذاك بوعى دقيق وديناميكى، يعرف أن من آثاره الجانبية تضخيم الريبة والشكوك، وتغليب الأمنى والحركى على السياسى والوطنى، وكلما طال الأمد يتفسخ النسيج ويتعذر بناء الإجماع، ويتحول الحسم الذى كان مفهوما ومطلوبا فى البداية، إلى شمولية تسلطية وقهر مقصود، ما يغذى فى صدور الآخرين طاقة الغضب والتمرّد، ويوسع الشرخ معهم على الصعيد النفسى، ولو تأخر الانفجار أو بدا محدودا فى السياق المادى.

والحال؛ أن رأس الذئب الطائر فى الساحل الغربى ربما يكون قد أرعب العلويِّين فعلا؛ لكن التداعيات تتجاوز حواضن العائلة الأسدية إلى عموم الجغرافيا السورية. الذين ألقوا سلاحهم نادمون الآن، والقابضون عليه لن يتخلّوا عنه بسهولة، أكان جنوبًا عند الدروز أو شرقا وشمالا لدى الكُرد. تطييف السكّان ينسحبُ على المكان حُكمًا وسلوكًا، ما يُهدِّد بصراعات مناطقيّة تبدأ تحت راية الطائفة؛ لكنها قد تستقلّ عنها لاحقا، وإذا كان انسلاخ البشر عن المُجتمع الموّار صعبًا، فالمُدن المُوزّعة على الأطراف يسيرة على القضم والهضم أيضًا.

تكثّف الضغط على كل المكونات القَلِقَة. السلطة عاجزة عن طمأنة المجموع، أو غير راغبة أصلاً. تحتكر الحكومة والحوار الوطنى وتأسيسية الدستور، تحل الأجهزة الأمنية وتعوِّض عنها بميليشيا من لونٍ واحد، تفهم الدولة من منظور سطحى أو مُحرَّف تمامًا؛ إذ المفهوم لديها ينحصر فى مُعتقد صلب وجغرافيا سائلة، بينما العكس لدى الدول الوطنية الحديثة. مفهوم المواطنة غائب عن وعى الأصوليين بالكامل.

التحق المقاتلون الأجانب بالجيش، وقتلوا السوريين فى مدن الساحل وأريافه، ولا يرى الجولانى غضاضة فى الأمر، مثلما وصف المقبوض عليهم بـ«الأسرى» فى خطابه الأول. صار الغريب مواطنًا بعضوية الميليشيا لا بالجنسية، وحتى لو مُنِحوا إيّاها اليوم فلن يختلف الأمر كثيرًا، إذ الأزمة لدى سلطة الأمر الواقع فى المفاهيم أوّلاً، ثم فى توقيعها على المجال الحيوى للسوريين تاليا، وعليه يتطلّب الأمر وقوفًا على معانى الدولة والدستور والقانون والديمقراطية والمواطنة والمدنية وبقيّة المفردات المُؤسسة للاجتماع المدينى الحديث.

السنّة أغلبية هُضِمت طويلاً؛ لكنه لا حق لها فى ابتلاع الدولة، أكان بالعدد أم بمنطق التعويض عن الماضى. تسنّم الجولانى مقعد الحُكم بالسلاح، وينتقل منه إلى المُغالبة العددية، وهى إن كانت صالحة فى صناديق الانتخاب؛ فإنها غير مقبولة فى العناوين الوجودية ومراحل التأسيس. لا يحقّ لهم الثأر من العلويِّين أو غيرهم، ولا شطبهم من مُعادلة الإدارة لأنهم أقليّة. يحتاج الرجل للاعتراف باختلاف المرجعية، وبأنه وافد من خارج ثقافة الدُّوَل، وعليه أن يتعلَّم ويتربَّى قبل أن يتجرّأ على الجهر بوَصفته الخاصة.

شرعيته بُنِيَت بيده العارية، وعلى أنقاض نظام متوحَّش. إنها شرعية الاضطرار وغياب البديل؛ لكنه مع مرور الوقت سيفتقد لغطاء المبررات الأسدية، وستفقد الحجّة بريقها، وتتبقّى الأسئلة الجادة. إن كان مُقدّرًا له أن يواصل التجربة؛ فعليه البحث عن شرعية بديلة، وخارج سياق القوّة والاحتراب الأهلى وتطييف الجغرافيا والديموغرافيا. والحال؛ أنه يتقاعس عن نسج مظلّة جامعة، وما قدَّم أية إشارات مُطمئنة بشأنها، بل على العكس فعل كل ما ينسف الأمل ويُزعج المجموع السورى من خارج فصيله الضيِّق.

الخلل بنيوى لا شكلانى، وعلى امتداد الخارطة لا فى الساحل ومع العلويين فحسب. قبول النظام المؤقت ما يزال انتقائيا، وتحكمه العاطفة، وحاضنته الحالية أقصى ما يُمكن تأمينه، ومع استفحال المشكلات أو صعوبة تفكيكها سينفض السُّنة أنفسهم من حوله. يحتاج الجولانى لإجراءات جادة من خارج ذهنية العصابة المؤمنة، ولتبدأ بتفكيك بقايا الميليشيات داخل الأجهزة وخارجها، ودمج بقية المكونات فى الهيكلية الإدارية والأمنية للدولة، وتوسيع مجال الحوار فى الانتقال والدستور، وتحقيق العبور من الثورة للدولة بالممارسة لا الأقوال فحسب، وأولها إعلاء سيادة القانون، وإرساء قاعدة مُجرّدة وعادلة على كل الأطراف، تبدأ وجوبا وعلى وجه السرعة بمحاسبة مُجرمى هيئة تحرير الشام وفصائلها الرديفة عمَّا أحدثوه بحق العلويين.

الفتنة فى سوريا حاضرة لا نائمة، واللعنة على مَن أنكرها أو تباطأ فى التصدِّى لها، وفى قَطع الطريق على استثمارها فى صراع العروش ولُعبة الأُمَم.. يُمكن استيعاب أن الجولانى ورجاله يغلب فيهم الطبع على التطبُّع، ولا دراية لهم بالدولة والمدنية والمواطنة؛ إنما لا مُبرِّر على الإطلاق لانعدام الرغبة فى التعلُّم والانضباط، ولا لإعماء العين عن جرائم موصوفة ومُوثّقة.. الأسد صِفة بأكثر مِمَّا هو اسم، ولا يُمكن أن تمشى على منواله وتُعاين مصيرًا مُختلفًا. ويبدو أن النزعة الأُمويّة لديهما ذوّبت فروق العلويّة عن السُّنيّة الجهادية، وأعطت للجولانى فى أسابيع ما أعطته لبشّار فى سنوات، دراما تُعيد نفسها، ومحرقة نتمنّى ألا تُطيح بما تبقّى من سوريا الغالية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة