يستمر الجدل فى أوروبا حول إعادة التسلح فى ظل الاستعداد لحرب كبرى جديدة ، وأصبح الزعماء الأوروبيين يتحدثون عن الحرب وعن الحاجة الملحة إلى تسليح أنفسهم وإنفاق المزيد من الأموال على الدفاع والأمن، وذلك فى ظل سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب .
وطالب رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بضرورة إعادة التسلح على الفور حتى لا تعتمد على الآخرين، و رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين ترفع الاستثمار المطلوب لأكثر من 3%.
وقال سانشيز يدعو إلى إعادة تسليح أوروبا الآن حتى لا "تعتمد على الآخرين" وفون دير لاين ترفع الاستثمار الذي سيكون مطلوبًا إلى "أكثر من 3% ، وقال إن الوضع الدولي المضطرب مع الحرب في أوكرانيا، وطموحات بوتين، والدعم غير المؤكد من جانب ترامب، يعني أن الاتحاد الأوروبي مضطر إلى النظر في اتخاذ تدابير جذرية في سياسته الدفاعية.
وقال رئيس الوزراء خلال حفل أقيم في سانتياجو دي كومبوستيلا: "نظرا لما رأيناه، فمن الأفضل أن نبدأ في الاعتماد على أنفسنا أكثر قليلاً وعلى الآخرين أقل قليلاً"، وأوضح سانشيز أن إسبانيا، بسبب موقعها الجغرافي، لديها "احتياجات مختلفة" عن احتياجات البلدان الواقعة في الشرق، لكنه أوضح أن "هذا لا يعني أنها متناقضة" أو "غير متوافقة".
وقالت صحيفة الباييس الإسبانية ، إنه فى ظل دعوات رجل الأعمال الأمريكى إيلون ماسك ، لانسحاب الولايات المتحدة من حلف الأطلسى والتوقف عن دفع تكاليف الدفاع عن أوروبا.
وفى السياق نفسه، رفعت رئيسة المفوضية الأوروبية، الألمانية أورسولا فون دير لاين، سقف الاستثمار الذي يتعين على دول الاتحاد الأوروبي تخصيصه لدفاعها، وقالت فون دير لاين: "الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يتحدث عن أكثر من 3%"، قبل أن تذكر بأن "بعض الدول قامت بالفعل بواجباتها، لكن دولا أخرى لم تفعل"، وأضافت "كل سئ يبدو وكأنه حرب كبرى تنتظرنا مرة آخرى بدلا من السلام".
وأكدت رئيسة المفوضية أنه من أجل تحقيق هذه الأهداف، "لا يوجد شيء مستحيل. أنا منفتحة على كل ما هو ضروري"، على حد قولها.
ولم تستبعد فون دير لاين استكشاف خيارات أخرى اقترحتها الدول الأعضاء، لكنها أصرت على أن جهودها ستركز أولاً على تقديم الاقتراح التشريعي لهذه الأداة وبقية التدابير في الخطة، التي تأمل بروكسل من خلالها جمع ما يصل إلى 800 مليار يورو لتعزيز الدفاع عن القارة. وقالت السياسية الألمانية "أنا أركز الآن على الاقتراح القانوني، الذي سيكون حساسا بدرجة كافية".
طوال مدة الحرب في أوكرانيا، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ، كير ستارمر ، التزامه بتزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة للدفاع عنها وزيادة إنفاقه العسكري إلى 2.5%: "هذا يعني 1.6 مليار جنيه إسترليني لتمويل الصادرات لتوريد 5000 صاروخ دفاع جوي سيتم تصنيعها في بلفاست".
كما أكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن الدول الأوروبية يجب أن تنفق أكثر بكثير على دفاعها، مذكرا بأن الكرملين ينفق 10% من ناتجه المحلي الإجمالي على الإنفاق العسكري؛ لا يوجد توحيد في الإنفاق العسكري الأوروبي.
وبولندا هي واحدة من الاقتصادات الأوروبية التي تنفق أكثر من غيرها على الدفاع، بنسبة 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد حرب أوكرانيا وروسيا.
وحذرت أجهزة الاستخبارات البولندية من أن نوايا بوتين لا تتمثل في الاكتفاء بأوكرانيا فحسب، بل في محاولة استعادة بعض النفوذ السوفييتي في بعض دول أوروبا الشرقية.
روسيا تعلق : تطور جيوسياسي خطير
ومن ناحية آخرى ، اعتبرت الخارجية الروسية أن السياسة الدفاعية الجديدة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي، وتشمل تخصيص ميزانية كبيرة للتسلح، تعد تطورا جيوسياسيا خطيرا، وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا -في بيان- إن المناقشات والنتائج التي خرجت بها قمة زعماء الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل أظهرت أنه يتحول بسرعة إلى اتحاد عسكري يهدف إلى إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا.
وأضافت زاخاروفا أن الاتحاد الأوروبي يواصل ممارسة "ألعاب جيوسياسية خطيرة" متجاهلا ما سمتها العواقب الحقيقية لقراراته.
وهل تستطيع فرنسا حماية الدول الأوروبية الأخرى بترسانتها النووية؟
أبدى إيمانويل ماكرون رد فعل قوي على الارتباك الجيوسياسي الحالي الناجم عن التوجهات الجديدة للدبلوماسية الأمريكية، وفي خطاب متلفز ألقاه الأربعاء، قرر "فتح نقاش استراتيجي حول حماية حلفائنا في القارة الأوروبية من خلال ردعنا النووي".
ويرى الخبراء أن قوة الردع النووية الفرنسية، المعروفة شعبيا ودوليا باسم "قوة الردع النووي"، أنشئت في عام 1966 من قبل الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديجول لمنع فرنسا من أن تصبح معتمدة استراتيجيا بشكل كامل على الولايات المتحدة. وفي العام نفسه، غادرت فرنسا البنية العسكرية لحلف شمال الأطلسي، وإن لم تكن التحالف السياسي، واستغلت هذا التحول في دفاعها لتأسيس عقيدتها النووية.
كما لدى باريس سربان من طائرات رافال، أو نحو أربعين قاذفة مقاتلة، منتشرة في قاعدة سان ديزييه الجوية في شرق فرنسا، وتم توسيع مدى هذه الطائرات رافال بفضل توفير 14 طائرة صهريجية من طراز A330-200 "فينيكس" MRTT، مما يسمح بتنفيذ غارات طويلة المدى.
وتستطيع طائرة رافال أيضًا حمل ترسانة مكونة من 54 صاروخا مجنحا يحمل رؤوسا نووية من طراز أسمبا، بمدى يصل إلى نحو 500 كيلومتر ، وستكون هناك أيضًا اثنتي عشرة طائرة رافال مارين قادرة على حمل هذه الصواريخ على حاملة الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية شارل ديجول؛ ولو بأمر من رئيس الجمهورية فقط.
أما العنصر الثاني الذي يشكل القوة الاستراتيجية فهو القوة المحيطية الاستراتيجية (SOF)، التي تضم أربع غواصات صاروخية تعمل بالطاقة النووية، وكل منها مزودة بـ 16 صاروخا باليستيا من طراز M51، و يبلغ مدى هذه الصواريخ العابرة للقارات نحو 10 آلاف كيلومتر، وتحمل كل منها ستة رؤوس نووية مستقلة، و يتمتع هذا العنصر بميزة تتمثل في أنه بما أن الغواصات المعنية تبحر في كل بحار الكوكب دون أن تعرف مكان وجودها في أي وقت معين، فإنها قد تعمل من خارج الأراضي الفرنسية في حالة تعرضها لهجوم.