على أريكة خشبية وبرميل حديدى يقف الشاب طه من محافظة أسوان ليساعد والده الذى تجاوز عمره السبعين ولا يزال يعطى فى فن الجداريات المتوارث بين أهل الصعيد ويرتبط بالمواسم والمناسبات المختلفة ويحافظون عليه فى تزيين بيوتهم ذات الجدر الطينية البسيطة لتكون عنواناً لمناسبات كبيرة.
ففى قرية المنصورية التابعة لمركز دراو وسط محافظة أسوان، بدأ الاستعداد للاحتفال بـ"ليلة المرماح" وهى من الليالى التراثية التى يتلاقى فيها القبائل ويستعرضون قوتهم من خلال تنافس شريف مبنى على الإخاء والتودد بين أبناء العمومة، على سبيل المثال منافسات لعبة التحطيب وسباقات الخيول وغير ذلك من مظاهر الاحتفال بهذه الليالى.
وقبل انطلاق هذه الفاعليات، يبدأ أهالى القرية التى ينعقد فيها المرماح وليلته، التجهيز لاستقبال الضيوف، فيكون تجهيز أماكن الإقامة والاستراحات وإعداد الفرش والغطاء والمشروبات والأكلات وكنس الأرضيات وجمع القمامات، ثم يضعون اللمسات على جدران الحائط والشوارع لتتزين باستقبال الضيوف ويضعون اللمسات الفنية والرسومات لتكون عنواناً لهذا اليوم ودلائل على هذه المناسبة السنوية.
واستعان أهل قرية المنصورية فى أسوان، بالفنان المخضرم لرسم الجداريات والحيطان، وهو الفنان الرسام عيد السلواوى والذى جاء برفقة ابنه طه، الذى يساعده فى "الصنعة" الفنية ويشارك معه فى رسم الجداريات بعد أن ألحقه بالدراسة فى الفنون الجميلة بالأقصر ليثقل الموهبة مع الدراسة ويكون فناناً بارعاً يكمل مسيرة أبيه.
قال طه أحمد ياسين على، شاب، يبلغ من العمر 27 سنة، لـ"اليوم السابع"، إنه يساعد والده الشهير بـ"عيد السلواوى" وهو فنان جداريات قديم بدأ رحلته مع فن رسم الجداريات منذ أن كان عمره 14 سنة، وهو الآن يتجاوز السبعين، ولا يزال يعطى فى هذا الفن التراثى القديم الذى يعود فى الأساس لزمن المصريين القدماء وتخليد أمجادهم وحضارتهم على جداران المعابد والمسلات.
وتابع طه عيد السلواوى، أنهم حضروا إلى قرية المنصورية بناء على رغبة الأهالى فى تجسيد واقع الاحتفال بالمرماح على جدران منازل المضيفون لهذه المناسبة، فأهل القرية يحيون هذه الليلة منذ زمن بعيد وتوارثوها من الأجداد نسبة إلى جد أحدهم وهو الشيخ خليفة، وكانوا يعظمون الاحتفال بهذه المناسبة ويظهرون كرم ضيافتهم وحسن سمعتهم وقوة فرسانهم وخيولهم، للدرجة التى أقاموا فيها العزاء لأشهر حصان توفى خلال الأعوام السابقة وكان يلقب بـ"المحافظ" وهو من الخيول العربية الأصيلة.
وأشار، إلى أنه يساعد والده منذ الصغر، ثم بدأ يرسم معه منذ عامين فقط، واقترح والده وهو على أهالى القرية، أن يوسعوا المكان للرسم، وكان الرسم فوق لون أبيض على البراويز، واستغرق الرسم والتجهيز له نحو 3 أيام، وكان العمل يستمر رغم برودة الطقس ليلاً ومع الصباح الباكر لإنهاء هذه الرسومات قبل انعقاد ليلة المرماح، وكانت التجهيزات تستلزم إعداد الأدوات مثل: "التمبيرا" وهو عبارة عن أوكسيد وشمع وغراء، ونظراً لارتفاع درجات الحرارة العالية خلال الصيف استلزم إضافة مركزات وخامات عالية الجودة للحفاظ على الألوان خلال فصل الصيف، موضحاً أن الألوان على الجدران فى الغالب تظل لمدة تصل إلى 25 سنة حتى تتحلل، إلا أن قرية المنصورية بسبب جغرافيتها غرب النيل ترتفع فيها درجات الحرارة وتؤثر على ثبات الألوان.
وأوضح ابن الفنان عيد السلواوى، أن رسوماتهم تعكس أجواء الاحتفال وإحياء ليالى المرماح، فتشمل على سبيل المثال: "الخيول بألوانها والجالسون لمتابعة السباق وكذلك فرقة المزمار التى تعزف أثناء التحطيب"، بالإضافة إلى الرسومات الأخرى مثل الجمل الذى يحمل الصندوق الأخضر ويطوف القرية ويسمى بـ"طوافة المولد" وبعض العبارات الدينية، مؤكداً أنهم يحرصون على حضور مرماح أو مناسبات أخرى شبيه لتسجيل الأجواء ودراسة الحركات ومظاهر الاحتفال بمثل هذه المناسبة.
وعن نفسه، قال طه ياسين، إنه يدرس بالفرقة الثالثة بكلية الفنون الجميلة بالأقصر قسم تصوير جدارى، وبدأ والده يعلمه الرسم فى المرحلة الإعدادية خلال عام 2012 وكانت أول رسمة منفصلة له على جدارية خلال عام 2021 لمناسك الحج وشارك فى العديد من المعارض خلال هذه الفترة البسيطة.

التحطيب والمزمار

الفنان عيد السلواوى

المزمار

تجسيد واقع للعصا

تنافس سباقات الخيول

جداريات القرية

محمل الجمل