يحتفل العالم باليوم العالمي للغة الأم، وتعد اللغة العربية واحدة من أشهر اللغات في العالم، وهي قديمة، لكن ماذا عن أصلها، هذا ما يحدثنا عنه كتاب "أدب العرب: مختصر تاريخ نشأته وتطوره وسير مشاهير رجاله وخطوط أولى من صورهم" لـ مارون عبود.
ويحدثنا الكتاب عن "لغة العرب.. أصلها":
إحدى اللغات السامية، نسبة لسام أحد الآباء الأولين — كما اتفق الناس — الذي من أصله العرب، ويقول المحققون من علماء اللغات إن لغتنا العربية أقرب اللغات شبهًا باللغة التي اشتُقت منها، معللين ذلك بانزواء العرب في جزيرتهم واعتزالهم.
كانت في بدء عهدها فرعين عظيمين: لغة مضر ولغة حِميَر، وكان بينهما فروق كما ورد في كلامنا على لغة القحطانيين والعدنانيين، أما اللهجات فتعددت إلى حد عظيم، بيد أنه مع توالي الأيام والعصور صرعت لهجة قريش لهجات الجزيرة كلها، لأسباب ستأتي.
لغة الأدب "الشعر والنثر" ولغة الدين "القرآن" ولغة السياسة والإدارة "بعد الإسلام" فاغتنت بما أدخل عليها من الألفاظ الجديدة التي دعا إليها الدين والسياسة والحضارة والعلم الجديد.
لقد كان العرب والسريان والعبران في الجزيرة يتفاهمون بلا ترجمان، ولكن تطور اللغة العربية بتطور قومها أبعدها عن أخواتها، واللغة تسود بسيادة قومها وتنمو برقيهم؛ فلذلك لم يبقَ رابطة تربطها بأختيها غير ألفاظ تختلف لهجة يعرفها المطلعون على هذه اللغات الثلاث، ومنها يعرفون أن هذه اللغات من مقلع واحد.
أسباب نموها ورقيها
فاللغة كائن ينمو ويتكاثر، فكلما وجدت الأغراض خلقت الألفاظ، وصار العرب دولة بعد الفتح الإسلامي فكانوا كالبوتقة للغات، فصهروها وطبعوها بطابع لغتهم الخاص، وأخذوا منها كل ما احتاجوا إليه، فاتسع نطاق لغتهم أيما اتساع.
وأهم أسباب النمو هو "المجاز"، والاشتقاق، والإبدال، والنحت، والقلب، والتعريب، وهاكَ التفصيل:
(أ)المجاز أو التجوز: وهو أوسع أبواب اللغة، فمنه تثرى اللغة إلى ما لا حد له، ومن شروطه وجود العلاقة بين المعنى والكلمة التي نقلت إليه، ويكون المجاز في المفرد والجملة.
(ب)الاشتقاق: هو من ميزات اللغة العربية وبه تتناسل إلى حد بعيد. فبنقلك اللفظة من صيغة إلى صيغة تنقلها من معنًى إلى معنًى آخر، فتستغني غالبًا بكلمة عن جملة كقولك: استكتبت فلانًا؛ أي طلبت إليه أن يكون كاتبًا لي … إلخ.
(جـ)الإبدال: وهو إبدال حرف بحرف من لفظة فتكونان بمعنًى واحد. وللإبدال أسباب؛ منها استثقال بعض الحروف عند بعض الناس فأبدلوها بأخف منها. وللإبدال أثر كبير في اللغة تعثر عليه في أكثر كلماتها إن لم نقل كلها، وإليك المثل: أتملس أتملص أتملز؛ أي أتخلص. لصق لسق لزق. البصاق البزاق البساق … إلخ.
(د)القلب: وهو تقديم حرف أو تأخيره في اللفظة، بشرط أن لا تتبدل الحروف كقولك: فطس طفس، يتسكع يتكسع، أوباش أوشاب … إلخ.
(هـ)النحت: ويقصد به الإيجاز — والإيجاز بغية العربي ومطلبه في كل شئونه حتى اللغة؛ لباسه وجيز، وأكله وجيز، وبيته وجيز — وهو أن تصوغ كلمة تدل على كلمات كقولهم: بَسْمَل، كبَّر. ويكون النحت بالفعل نحو: سَمْعَل "قال السلام عليكم" وبالوصف نحو: صلدم، للحافر الشديد من الصلد والصدم، وبالاسم نحو جلمود من جلد وجمد، وبالنسبة نحو مرقسي "ن سلالة امرئ القيس".
(و)التعريب: وهو نقل الكلمة الأعجمية على نهج العرب وأسلوبهم، فالحاجة إلى التعريب ماسة دائمًا في كل مكان وزمان، وقد لجأ إليها العرب في كل أطوارهم ولم يأنفوا من الالتجاء إليها كما نأنف نحن اليوم. وفي اللغة ألفاظ لا تعد كلها أعجمية معربة، وفي القرآن الكريم مائة كلمة منها.