تعتبر أمريكا اللاتينية واحدة من أكثر المناطق تأثرا بعودة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للبيت الأبيض، ويواجه زعماء القارة اللاتينية العديد من التحديات فى ظل القرارات الأمريكية الجديدة والخاصة بقضايا الهجرة والتجارة والعلاقات الإقليمية، وذلك تصعيد ترامب لإجراءاته ضد بعض الدول، منها كولومبيا والمكسيك.
فى خلال 3 أسابيع من ولايته، دفع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باتجاه تغيير جذرى فى علاقات بلاده مع أمريكا اللاتينية، حتى أنه قرر التراجع عن سياسات وتحالفات استمرت عقوداً من الزمن، وأظهرت إدارته اهتماما كبيرا بالمنطقة لدرجة أن وزير الخارجية ماركو روبيو اختارها كوجهة لأول رحلة له إلى الخارج منذ توليه منصبه، وهو أمر غير مسبوق منذ أكثر من قرن من الزمان.
ويأتى الكثير من هذا التركيز على الجنوب استجابة للأولويات التى حددها ترامب، مثل الترحيل الجماعى للمهاجرين فى الولايات المتحدة، ومكافحة النفوذ المتزايد للصين، والحد من تهريب الفنتانيل إلى بلاده.
وفى هذه الفترة، أعلن الرئيس أيضا عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الصادرات من كولومبيا والمكسيك، لكنه علقها بعد التوصل إلى اتفاقيات مع تلك الدول لإعادة المهاجرين الذين رحلتهم الولايات المتحدة وتعزيز أمن الحدود على التوالى.
وتتناقض هذه السلسلة من الإعلانات مع عدم الاهتمام الذى أظهره ترامب تجاه أمريكا اللاتينية فى الأشهر الأولى من إدارته السابقة (2017-2021).
وأشارت صحيفة الإسبيكتاتور المكسيكية إلى أن الرئيس الأمريكى أعلن تطبيق رسوم جمركية متبادلة على الدول التى تفرض ضرائب أعلى على الصادرات الأمريكية مقارنة بالضرائب التى تفرضها الولايات المتحدة على المنتجات من تلك الدول، وتهدف هذه الإجراءات إلى تحقيق التوازن فى ظروف التجارة، وقد تؤثر بشكل كبير على اقتصادات دول أمريكا اللاتينية.
وأشارت الصحيفة إلى أن أن المبادرة قد تمتد إلى ما هو أبعد من التعريفات الجمركية التقليدية لتشمل الحواجز التجارية غير الجمركية مثل ضريبة القيمة المضافة، والإعانات الحكومية، واللوائح التى تحد من قدرة الشركات الأمريكية على الوصول إلى الأسواق الأجنبية.
ومن بين الدول التى قد تتأثر البرازيل والأرجنتين والمكسيك، وهى ثلاثة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة فى المنطقة، وعلى وجه الخصوص، قد يواجه القطاع الزراعى الصناعى تأثيرات كبيرة بسبب اعتماد هذه البلدان على الصادرات إلى السوق الأمريكية، وبحسب المدرسة الدولية للإدارة الزراعية (ISAM)، فإن منتجات مثل فول الصويا ولحوم البقر والإيثانول قد تواجه حواجز جديدة من شأنها أن تؤثر على قدرتها التنافسية.
وقد تم تحديد قطاع الإيثانول البرازيلى أيضًا كهدف محتمل لهذه الضرائب الجديدة، حيث تعتبر البرازيل أكبر مخازن ومحطات وقود فى العالم تنتج وتستهلك الايثانول كوقود للسيارات والطائرات ذات الوزن الخفيف، وبحسب أرجوس، تفرض البرازيل تعريفة جمركية بنسبة 18% على واردات الإيثانول من الولايات المتحدة، فى حين تبلغ التعريفة الجمركية الأمريكية على الإيثانول البرازيلى 2.5%، وقد تؤدى السياسة الجديدة إلى رفع التعريفات الجمركية الأمريكية إلى المستوى الذى تطبقه البرازيل، وهو ما قد يؤدى إلى إشعال فتيل التوترات التجارية بين البلدين.
وفى حالة المكسيك، تشير جمعية ISAM إلى أن صادرات الأغذية الزراعية إلى الولايات المتحدة تجاوزت 40 مليار دولار أمريكى فى عام 2023، مع منتجات رئيسية مثل الأفوكادو والطماطم واللحوم، ويؤدى تطبيق التعريفات الجمركية الجديدة إلى خفض القدرة التنافسية لهذه المنتجات ويؤثر على المنتجين المكسيكيين.
وفى ضوء هذا السيناريو، قد تنظر بلدان المنطقة فى استراتيجيات للتخفيف من آثار التعريفات الجمركية المتبادلة، مثل تنويع الأسواق وتعزيز اتفاقيات التجارة مع مناطق أخرى.
واعتبرت الولايات المتحدة، على مدى قرنين من الزمن، أن أمريكا اللاتينية جزء من دائرة نفوذها، لكن الصين تمكنت من تحقيق اختراقات كبيرة فيها، وانضم ثلثا دول أمريكا اللاتينية إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية للبنى التحتية، كما أصبحت الصين الشريك التجارى الأكبر للبرازيل والبيرو وتشيلى وعدة دول أخرى فى المنطقة، متقدمة على الولايات المتحدة.
ويبدو أن الاهتمامات الفورية لإدارة ترامب تتركز على النفوذ الصينى فى محيطها،وخصوصًا فى بنما والمكسيك، أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة، وقد زادت الاستثمارات الصينية فى المكسيك بشكل كبير منذ الولاية الرئاسية الأولى لترامب (2017-2021)، عندما نقلت شركات فى قطاعات مستهدفة بالرسوم الجمركية الأمريكية أجزاء من سلاسل توريدها إلى المكسيك.
وتحافظ البرازيل على علاقات وثيقة مع كل من واشنطن وبكين، كما هو الحال بالنسبة للمكسيك، التى ترى أن تهديدات دونالد ترامب واستفزازاته لدول أمريكا الجنوبية "قد تدفعها أكثر إلى أحضان بكين"، على سبيل المثال، أعلن الرئيس الكولومبى جوستافو بيترو عن خطط لتعزيز العلاقات مع الصين، بعدما هدد ترامب بوجوتا بعقوبات ورسوم جمركية، عقب رفض بيترو فى البداية استقبال طائرتين عسكريتين أمريكيتين تحملان مهاجرين تم ترحيلهم.