تحل اليوم ذكرى إعدام الفيلسوف اليوناني سقراط، الذي واجه بقوة، رافضًا التراجع عن مبادئه، فكان رمزًا للمقاومة الفكرية في وجه الرجعية، لم يكن سقراط مجرد معلم، بل كان رجلًا تحدى الرجعية بأفكاره، ودفع حياته ثمنًا لحرية التفكير والنقد.
في الثقافة العربية، وجد الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي في سقراط صورة المثقف المتمرد، الذي يرفض الانحناء أمام الطغيان. وكما جسّد الأبنودي في أشعاره فلسفة الحياة والموت، فقد رأى في سقراط رمزًا للفيلسوف الذي لا يساوم، والذي يواجه مصيره بصلابة، حتى لو كان ذلك يعني نهايته.
لم يكن الأبنودي فيلسوفًا أكاديميًا، لكنه عبّر عن الفلسفة بلغة الشعب، مستخدمًا كلماته البسيطة لطرح الأسئلة الكبرى عن العدل والحرية والموت. سقراط، بالنسبة للأبنودي، لم يكن مجرد شخصية تاريخية، بل كان صورة لكل من يواجه الاستبداد بالكلمة والموقف. ففي قصائده، عبّر الأبنودي عن رفض القمع والتسلط، مستلهمًا رموزًا تاريخية كإعدام سقراط.
كما كان سقراط يرى أن الحقيقة أثمن من الحياة، فقد صوّر الأبنودي في أشعاره الموت كخيار نبيل، حين يكون الثمن هو الكرامة. سقراط لم يمت يائسًا، بل رحل منتصرًا، تمامًا كما رأى الأبنودي في شخصياته الشعبية وأبطاله الذين تمسكوا بمبادئهم حتى النهاية.
في النهاية، يظل سقراط حيًا في الذاكرة الإنسانية، ليس كمجرد ضحية، بل كرمز خالد للمقاومة الفكرية. وكما أعاد الأبنودي إحياء التراث الشعبي ليكون صوتًا للناس، فقد استلهم من سقراط فكرة أن الكلمة يمكن أن تكون سلاحًا أقوى من السيف، وأن الفكر لا يمكن إعدامه، حتى لو سقط صاحبه.
فى قصيدة "أحزان عادية" لشاعر العامية الكبير الراحل الخال عبد الرحمن الأبنودى، واصفا محاكمته، متعرضًا لفكرة مصادرة حرية العقل والحكمة والتفكير حين أعاد تشبيه العصر وكأنه عصر سقراط الفيلسوف الشهير الذى اتهم بالضلالة والكفر والزندقة:
شويه فات سقراط
مسلسلينه من القدم للباط
ومتهم باليأس والإحباط
وبالعدم وبالزنا وباللواط
وبكل كافة التهم
وهو عابر للجحيم على الصراط
ينظر على الشعب التعيس ويبتسم
إلى الجحيم للفلسفة
دنيا لا كانت يوم
ولا حتكون فى يوم كويسة
دنيا فى هيئة خنفسة
ما أتعس الانسان
ما أسعد الحيوان