أشرف أيوب معوض يكتب: قراءة فى "قرموط الست" مجموعة قصصية لهانى منسي

الأحد، 07 ديسمبر 2025 07:00 م
أشرف أيوب معوض يكتب: قراءة فى "قرموط الست" مجموعة قصصية لهانى منسي قرموط الست

تأتى مجموعة قرموط الست، الصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع، ضمن الأعمال السردية التى استطاعت أن تلتقط روح الريف المصرى وتحولها إلى عالم قصصى نابض بالحياة، فهانى منسى لا يكتب عن الريف بوصفه مكانًا، بل بوصفه كائنًا حيًا تنبض عروقه بالحكايات والأساطير والموروثات الشعبية التى تتداخل مع الواقع اليومى لتصنع سردًا يجمع بين الأصالة والتحليق فى الخيال، ومن خلال ست عشرة قصة قصيرة، يفتح الكاتب نافذة على عالم بالغ الثراء، تتجاور فيه الأسطورة مع الحياة، والواقع مع الرمز، ليقدم تجربة سردية تستحق الوقوف أمامها طويلًا.

تضم مجموعة قرموط الست ست عشرة قصة قصيرة تتسم بسرد آسر ولغة بسيطة فى ظاهرها، عميقة فى دلالاتها، قريبة من العامية دون أن تفقد جمالها أو طاقتها الإيحائية، هذه البساطة ليست ضعفًا لغويًا، بل هى منسجمة تمامًا مع العالم الريفى الذى تدور فيه الحكايات، وتُقرب النصوص من القارئ العادى دون الإخلال بفنيتها.

تستدعى القصص أساطير مصر القديمة استدعاءً واعيًا، حيث يطل حضور "إيزيس" الباحثة عن أوزوريس، فى صورة المرأة المصرية التى تعيد إنتاج المعتقد القديم ذاته، وتغدو بطلة إحدى القصص، سِحر، امتدادًا رمزيًا لإيزيس، وكأن الحكاية تربط الماضى بالحاضر فى استمرارية حضارية لا تنقطع.

لا يظهر الفولكلور فى هذه القصص مجرد خلفية للسرد، بل يتحول إلى عنصر فاعل يحرك الأحداث ويضيء الشخصيات. كما نجد حضورًا للتراث التوراتي، ليس تمردًا على النصوص المقدسة، بل خروجًا على القوالب القصصية الجامدة لصالح إعادة تشكيل المخزون الثقافى الذى يحيا فى وجدان الكاتب. وتكشف المجموعة عن جوانب من الحياة الشعبية القبطية التى لا تختلف كثيرًا عن الحياة المصرية عمومًا، لكنها هنا تُوظَّف كتراث مصرى خالص، ينهل منه الكاتب ويعيد صوغه فنيًا.

قصص المجموعة مترابطة، يجمع بينها فضاء واحد وشخصيات تتقاطع مصائرها، مما يضفى عليها مسحة روائية واضحة. يتناول الكاتب موضوعات الفرح والألم والظلم والقهر والعجز، ويتوقف عند الحب بوصفه قوة قادرة على مقاومة الفناء. ويبرز فى الحكايات رمز "هوبا"، القديس أو الولى الذى يعد وجوده بشارة خير وبركة لأهل البلدة، وغيابه نذير شقاء. هوبا هنا رمز للحب والسلام، ورافعة سردية تمنح القصص عمقًا روحيًا وإنسانيًا.

كما يكتب منسى بعض حكاياته على ألسنة الطيور والحيوانات، فيُسمع القارئ صدى تخيلاته هو عن تلك المخلوقات، لا بالضرورة أصواتها الحقيقية، فيغدو السرد مرآة لوعينا الشعبى بالكون والكائنات.


بمهارة لغوية ورؤية فنية واضحة، استطاع هانى منسى أن يجعل القارئ يتعاطف مع أبطاله، وأن يخلق عالماً قصصيًا نابضًا بالحياة، يجمع بين التراث والأسطورة والواقع فى نسيج سردى متماسك وجميل.


تمثل قرموط الست إضافة مميزة للأدب القصصى المصري، لأنها لا تكتفى بتسجيل الواقع أو نقل تفاصيله، بل تنفذ إلى جوهره العميق، حيث تختلط الحكايات الشعبية بالموروث الدينى والأسطورة، وتتجلى الحياة الريفية فى أنقى صورها الفنية. وهانى منسى فى هذه المجموعة لا يقدم مجرد قصص، بل يقدم عالمًا متكاملًا تتجاور فيه الأصوات والأزمنة، ويكشف عن حس حكائى فطرى قادر على تجديد تقاليد السرد الشعبى بروح حديثة وواعية. إنها مجموعة تستحق القراءة، وتفتح الباب لكتابات أخرى تحمل هذا النفس الجمالى الأصيل.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة