الوعي من القضايا الكبرى، التي يشارك في تنميته الجميع دون استثناء؛ فالأسرة تعمل بقصد على غرس قيم، تحسن من سلوكيات الفرد، والمؤسسة التعليمية، تكسبه خبرات في مجملها، تسهم في تعديل السلوك للصورة المرغوب فيها، والمؤسسة العقدية تجتهد من أجل غرس قيم، وفضائل، وشمائل، تعزز لديه جوانب الخير، وتزيد من إيجابيته، وتحثه على العطاء، وسائر الاتصافات القيمية النابعة من الوجدان الراقي، والمؤسسات الاجتماعية الأخرى تعمل عبر أنشطتها على تعضيد الممارسات القائمة على التكامل، والتكافل، وتحمل المسؤوليات بمختلف تنوعاتها، وهنا نضمن بناء إنسان يمتلك وعيًا رشيدًا.
الخبرة التي يتلقاها الفرد داخل الأسوار التعليمية، ينبغي أن نحسن ربطها بشكل وظيفي بالواقع المعاش؛ فهناك مجريات أحداث، وتفاصيل تمر علينا يلاحظها، ويتفاعل معها الإنسان؛ حينئذٍ تتأتى فرصة الفهم العميق لكل ما نتعلمه، أو نكتسبه، ويبدو هذا جليًا في المقدرة على التحليل، والتفسير، والاستنتاج؛ ومن ثم تصبح آليات رصد الظواهر في إطارها المنهجي القويم، وهو ما يؤكد ثمرة تنمية الوعي في مجالاته المعرفية، والمهارية، والوجدانية، ويشير إلى وظيفة اكتساب مهارات التفكير العليا، ويساعد في اتخاذ، وصناعة قرارات صحيحة، وبناءً عليه نتوقع أن نتلقى رؤى رشيدة، وأطروحات مبتكرة تعد إضافة إلى نتاج فكري، متفرد.
سلامة الإدراك لا تنفك عن تحرى أمر، نحن جميعًا شركاء فيه؛ ألا وهو مراجعة ما لدى الأبناء من خبرات سابقة، تتضمن معارفهم، ومهاراتهم، وتصورات، وجدانياتهم حول القضايا، التي نرغب أن ننمي وعيهم تجاهها، وهذا يحتاج منا أن ننسج مهام أنشطة، تُظهر بجلاء ما لدى الفرد؛ حيث يبدى بوضوح معارفه، عبر وجهات نظر حرة، لا قيد عليها، ونفسح له المجال في أن يمارس ما يراه مناسبًا، ونحاول أن نستكشف ميوله، أو اتجاهاته، أو شغفه، أو ما يعبر عن قناعاته نحو ما يبتغي الوصول إليه، ويؤدي الممارسة المرتبطة به، وهنا نكون قد اجتزنا السياج الحاجز، وتمكنا من التعرف على صورة الخبرة بشكل متكامل، وفي ضوء ذلك نضع المعالجات إذا ما رأينا ثمة قصور، أو نعزز مكون الخبرات، إذا ما كان قويمًا.
نحن شركاء في تنمية الوعي بأنماطه المختلفة؛ فلا يمكن أن نحسن تعزيز القيم، دون أن نتعاون في إقناع الإنسان بالممارسات المؤكدة لاتصافاتها، وهذا يعني فقه التناول، من خلال تواصل فاعل بين الأسرة، والمؤسسات الأخرى، سواءً أكانت تعليمية، أم عقدية، أم مجتمعية، وهنا نضمن ألا يحدث انفصالا، أو انفكاكا عن المغزى، والمعنى المراد الوصول إليه؛ فيصعب أن نعمل على غرس قيمة الصدق، وهناك ممارسات يلاحظها الفرد، ويستنبط من خلالها التضارب في الأفعال، ومن المستحيل أن يقتنع أيضَا بالأمانة، ويشاهد ملامح تدل على التراخي في الوفاء بالوعود، والعهود، والقياس على ذلك يصعب حصره؛ فما أكثر! ما نعانيه من سلبيات، تتأتى من الاختلاف بين الرسالة المؤداة من مؤسسات بناء الإنسان، ومؤسسة الأسرة الصغيرة، والكبيرة.
دعونا نحن شركاء البناء بمختلف رسائلنا، ومتلون غاياتنا أن نجتمع على ماهية تنمية الوعي الرشيد لإنسان يقع على عاتقه حمل الراية، وطرق مسيرة البناء، والتنمية، والنهضة، وأرى أن هذا لن يحدث بعيدًا عن فهم الفرد لما يدور حوله من مجريات أحداث، ومعايشة لقضايا مجتمعية مستجدة، وامتلاكه لمعارف جديدة، تضيف إلى رصيده الخبراتي؛ كي يستطيع أن يدلي بدلوه، ويبدى اهتمامًا لكل ما يكلف به من مهام، ولو كانت بسيطة، وأعتقد أن حسن صياغة المهمة يقوم على فقه خصائصه؛ لنراعي قدراته، وإيجابيته المتوقعة، وبالطبع يسهم ذلك صراحة في زيادة ثقته بنفسه، ويتأكد لديه أنه عضو فاعل، ومؤثر في محيطه، بل، وفي مجتمعه قاطبة.
أود التأكيد على أن الشراكة الفاعلة في تنمية الوعي تخلق جيلا، يمتلك المهارات المتطلبة لسوق عمل، يحرص على تلبية احتياجات المجتمعات، وأن الخبرة في صورتها المتكاملة لها أثر باق، إذا ما ربطناها بالحياة، وأن قناعة الفرد بما يكتسبه من خبرات، يعد أساسًا في مقدرته على توظيفها في إطارها الصحيح، وأن تنمية الفضيلة، وقيم الولاء، والانتماء عامل رئيس في تعزيز المواطنة بصورة فاعلة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
_
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر