قدمت النيابة العامة، ممثلا عنها المستشار أحمد راجح رئيس النيابة الكلية، مرافعة قوية، أمام هيئة محكمة جنايات الإسكندرية ، في وقائع قضية قتل المتهم لزوجته أمام والدتها وبناتها، دون رحمة ، فالزواج علاقة قدسية قوامها المودة و الرحمة فعقد الزواج يتشابه مع غيره من العقود تنعقد بايجاب و قبول لكنه يتفرد عنها في المدلول فهو ليس بعقد يشتمل علي بنود تصاغ في سطور بل هو ميثاق وعهود تؤلف بين القلوب رابطة سامية تضفي علي الروح السرور و بالعطاء و الوفاء تبني من المحبة جسور فهو فطرة الله والا صارت الدنيا أرضا بور الا أن الزوج اليوم تجرد من الشعور وتملكه الغرور فسلك طريق الشرور وخان الميثاق المصون منتهكا كل ما هو محظور فأراق الدماء بفجور وقتل زوجته ونجلتيه شهود وأضحي بيت الزوجية مسرحا للجريمة مهجور في واقعة لن تنسي بمرور الشهور بل كتب لها الخلود في سجلات الجريمة علي مر العصور.
مرافعة النيابة العامة
وأضاف المستشار أحمد راجح: في مرافعته، سيدي الرئيس الموقر حضرات السادة المستشارين الأجلاء ،أن المجني عليها، شابة كان حلمها كأي فتاة بأن تكون زوجة و أم في بيت من اختارته شريكا لعمرها ورفيقا لدربها فتزوجت من المتهم الماثل في قفص الاتهام منذ عدة سنوات سابقة علي ارتكاب الجريمة ورزقهما الله من البنات اثنتان وعلي اثر خلافات زوجية امتنع عن الإنفاق عليهم جميعا مما حدا بالمجني عليها اللجوء للقانون و القضاء لتوفير قوت أطفالها و ما أن علم المتهم حتي صار بركانا ثائرا محدثا شيطانه أتطالب بحقها و حق بناتها اذن هي من ارادت انهاء حياتها فجعل ذلك للقتل مبرر ففكر و دبر ثم عزم و قرر وللقتل سلاحا اعد وحضر و في الليل تستر ولباب المسكن كسر و لميثاق المودة دمر و بصدر بالخيانة تفجر و قلب متحجر طعن زوجته والدم منها يقطر وقلب نجلتيه يتفطر في جريمة لن تتكرر وأن النيابة العامة لا تبني اتهامها علي الظن بل علي أدلة ناطقة بالحقيقة وتلك الأدلة ليست بقليلة استخلصناها من الأوراق بعناية وحيطة لنعرضها بنزاهة و حيدة فنحن هنا اليوم لنقيم الحجة و نستعرض الدليل وسنعرض علي عدالتكم وقائع القضية تجسيدا ممتزجا بعرض الدليل راجين من المولي سدادا و توفيقا .
المتهم يقتل زوجته بسبب قضية نفقة
واشار المستشار أحمد راجح : أن الفاجعة حدثت في ليلة هادئة كغيرها من الليالي لم يكدر صفوها سوي الصراخ والبكاء و القتل و الدم فكانت ليلة الثالث عشر من الشهر الثامن من العام الخامس بعد العشرين من الألفية الثانية شاهدة علي تلك الجريمة فلقد كانت المجني عليها في بيتها رفقة أمها ونجلتيها آمنين مطمئنين وما أن فرغت من صلاتها حتى فوجئت بطرق شديد على الباب ويكأنه بنذير الموت يدوي في الأرجاء فذهبت لتتبين أمر الطارق فإذا به المتهم يروع أمن من مفترض أن يكون هو مصدر امنهم و امانهم فوعدته بفتح الباب إذا هدأ إلا أنه لم يمتثل لقولها فلقد دبر و فكر ثم خطط فعزم فصمم حتي شرع في تنفيذ الجريمة فكسر الباب وتمكن من الدلوف فهرعت المجني عليها إلى الداخل فحاولت أمها بما تركه لها الشيب من قوة أن تزود عن نجلتها فوقفت أمام المتهم محاولة منعه عنها إلا أنه وكزها فسقطت أرضا ولم يبقى لها سوى البكاء والنداء فلم تكن أما تدافع عن جسد نجلتها فحسب بل كانت تدافع عن طفلة كانت تغني لها في المهد حتي تنام على صدرها كانت تدافع عمن أبصرتها تتأرجح في أولي خطواتها تزود عن عمر ربته في كنفها كانت تدافع عن جزء من روحها انتزع أمام عينها إلا أنها استفاقت علي صراخ نجلتها والسكين منغرسا في صدرها ذلك المشهد لا ينسى ولا يروى دون أن يختنق الصوت ففيه انكسار أما وقفت في وجه الظلم و العدوان ببكاء و صرخات وأيم والله إنها لم تنتصر لكنها علمت الدنيا درسا لن تنساه الإنسانية كلها أن الأمومة تقاتل لحماية الأبناء حتى الرمق الأخير من عمرها تلك كانت شهادة والدة المجني عليها.
جريمة تهز كرموز بالإسكندرية
كانت تلك مشاهد الجريمة فهي مشاهد لن تمر على التاريخ مرور العابرين فهناك مشاهد تبقى محفورة في جدار الذاكرة كأنها وشم ألم على جبين الإنسانية والأمومة أي قلب الذي تحجر حتى جفت بيه الرحمة وأي يد امتدت لتغرس الموت في جسد من كان لها وطنا.
وختاما فان النيابة العامة وهي تمثل ضمير هذا المجتمع قد جسدت الوقائع وصفا و سردا و أدت رسالتها وقالت كلمتها باسم الحق و القانون وما بقي سوي أن تصدر المحكمة حكمها باسم الشعب مقرون بعبرة لكل من يخون ليكتب في صحائف التاريخ حكما بأحرف من عدل و نور يرد للإنسانية كرامتها و للأمومة اعتبارها ونذكر في هذا المقام قوله تعالي " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " .
لذلك سيدي الرئيس الموقر حضرات السادة المستشارين الأجلاء النيابة العامة تطالب بتوقيع أقصي عقوبة علي المتهم وفق نصوص التأثيم الواردة بمواد الإتهام بأمر الإحالة وهي الإعدام شنقا فلا عذرا لمن سفك الدماء عمدا .
مصداقا لقول العدل في كتابه الحق " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا "