يحدث العطس حين يحاول الجهاز التنفسي طرد مادة ما يعتبرها دخيلة أو مهيّجة، وهو فعل فسيولوجي معتاد. لكن تحوّله إلى نوبات يومية متكررة أو ملازمة للحياة اليومية يشير إلى اضطراب يحتاج إلى دراسة دقيقة. كثيرون يتعايشون مع العطس المزمن باعتباره عادة مزعجة، بينما هو في الحقيقة رسالة بيولوجية صريحة بأن هناك خللًا في بيئة الأنف أو الجيوب أو الجهاز المناعي يجب التعامل معه بجدية قبل تطوّره إلى مشكلة أوسع.
وفقًا لتقرير نشره موقع “Health Insight Journal”، يُعدّ العطس الذي يتكرر بلا سبب واضح واحدًا من أكثر الأعراض التي يخفي وراءها الجسم تاريخًا مرضيًا قد يمتد من حساسية غير مُشخّصة إلى مشكلات تشريحية في الأنف أو التهابات مزمِنة تحتاج إلى علاج متخصص. ولهذا فإن تتبُّع نمطه وملاحظة المحفزات خطوة أساسية في الوصول إلى التشخيص الدقيق.
كيف يبدأ العطس المزمن؟ وما الذي يدفع الجسم لتكراره؟
تتحرك بطانة الأنف الحساسة مع أقل تغير في البيئة المحيطة. أي جسيمات دقيقة كالغبار أو حبوب اللقاح أو العفن يمكنها تنشيط مستقبلات عصبية دقيقة تُصدر إشارة فورية لمركز العطس في المخ. لكن حين تتكرر هذه الاستثارة عدة مرات يوميًا، فغالبًا ما يكمن السبب في واحد من أربعة مسارات رئيسية: خلل مناعي، التهاب تنفسي، انسداد ميكانيكي، أو مؤثرات بيئية مستمرة.
هذه المسارات تتقاطع في نقطة واحدة: الأنف يفقد قدرته على العمل الطبيعي، فيتحول العطس من رد فعل عابر إلى سلوك دفاعي دائم.
الجهاز المناعي والحساسية: المتهم الأول
تشير البيانات الطبية إلى أن كثيرًا من حالات العطس المزمن ترتبط بحساسية الأنف التي تنشط حين يتعرض الجسم لمحفزات غير ضارة بطبيعتها، لكن جهاز المناعة يبالغ في التعامل معها.
تزداد حدة النوبات في المواسم، أو عند تربية الحيوانات الأليفة، أو أثناء النوم في غرف مرتفعة الرطوبة أو مليئة بالأتربة الدقيقة.
ويؤدي استمرار الالتهاب التحسسي إلى اضطراب النوم، وتكرار الصداع، وانسداد الأنف، وزيادة الإفرازات، وكلها عوامل تُبقي العطس في حالة استمرارية دون توقف.
العدوى التنفسية الخفيفة والمزمنة
العدوى الفيروسية والبكتيرية – وخصوصًا نزلات البرد والإنفلونزا – تسبب تهيجًا مباشرًا لغشاء الأنف. في أغلب الحالات تهدأ الأعراض تدريجيًا، لكن استمرار الالتهاب لفترات طويلة بعد العدوى قد يخلق حالة تُعرف بالتهاب الأنف ما بعد الفيروس، وهو ما يظهر بشكل عطس متقطع أو مستمر يظنه البعض مجرد عادة يومية.
الجيوب الأنفية حين تعيق التنفس
الجيوب الملتهبة أو الممتلئة بالسائل تُجبر الأنف على العمل تحت ضغط دائم. هذا الاحتقان المزمن يرفع حساسية مستقبلات العطس، فيستجيب الأنف لأي تغير بسيط في الإضاءة، الهواء، أو الروائح.
ويزداد الوضع تعقيدًا إذا كان الالتهاب مصحوبًا بلحمية أنفية أو تورم في الأغشية الداخلية.
المؤثرات البيئية غير الملحوظة
تلوث الهواء، الروائح الصناعية، الأدخنة، المبيدات، وحتى التغيّر الحاد في درجات الحرارة… كلها عوامل قد تحفّز العطس دون أن ينتبه الشخص لمصدرها.
وفي المدن المزدحمة ترتفع نسبة تعرض السكان لمهيجات دقيقة يصعب رؤيتها، لكنها تترك أثرًا حادًا على الجهاز التنفسي العلوي.
مشكلات تشريحية داخل الأنف
انحراف الحاجز الأنفي أو وجود زوائد لحمية قد يمنعان مرور الهواء بصورة طبيعية. هذا الانسداد يجعل بطانة الأنف أكثر قابلية للالتهاب، وهو ما يفسر تكرار العطس بمجرد الاستيقاظ أو عند بذل مجهود بسيط.
متى يصبح العطس المستمر دافعًا لزيارة الطبيب؟
إذا تزامن العطس مع:
صداع متكرر
انسداد أنفي مزمن
دموع أو احمرار في العين
صعوبة في التنفس
نوبات متقطعة من فقدان حاسة الشم
فإن زيارة طبيب الأنف والأذن والحنجرة ضرورية لتحديد السبب الحقيقي.
التقييم يشمل فحصًا دقيقًا داخليًا للأنف، وتحليل البيئة المنزلية، وتقييم الحساسية، وربما إجراء أشعة إذا لزم الأمر.
تساعد هذه الخطوات في تحديد ما إذا كانت المشكلة بسيطة أم تحتاج إلى تدخل علاجي أو تنظيمي للبيئة المحيطة.
خيارات العلاج المتاحة حاليًا
العلاج يعتمد على السبب، لكنه غالبًا يشمل واحدًا أو أكثر من الآتي:
أدوية للسيطرة على الحساسية وتقليل الالتهاب
بخاخات أنفية تعمل على تهدئة الغشاء المخاطي
خطط لتقليل المحفزات في المنزل
علاج التهابات الجيوب سواء دوائيًا أو جراحيًا
تعديل عادات النوم والتهوية
متابعة مستمرة لتقييم الاستجابة
كيف تقلل نوبات العطس داخل المنزل؟
تنظيف الأغطية والوسائد أسبوعيًا
استخدام أجهزة تنقية هواء ذات فلاتر عالية الكفاءة
تقليل مصادر الغبار والعطور القوية
تهوية المنزل بانتظام
شرب الماء بكميات كافية
ارتداء كمامة عند التنقل في مناطق مزدحمة أو ملوّثة