نظمت الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، حفلًا كبيرًا بمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيسها، وذلك بمتحف الطفل "مركز الطفل للحضارة والإبداع" في مصر الجديدة، بحضور الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، وضيف شرف الاحتفالية، ونخبة من الباحثين والمثقفين والمهتمين بالتراث الشعبي، وذلك برعاية مجلس إدارة الجمعية برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين العساسي.
وشهدت الاحتفالية مشاركة عدد من الشخصيات البارزة في مجال التراث والثقافة، من بينهم الدكتور محمد أحمد مرسي، أمين عام الجمعية، والدكتور مصطفى جمال السعيد، والشاعر أحمد الشهاوي، والمنشد محمود ياسين التهامي، والمهندس هيثم يونس، خبير دولي في مجال التراث الثقافي غير المادي، نائب رئيس الجمعية، وحسن سرور خبير التراث الثقافي غير المادي، الذين عبروا عن تقديرهم لدور الجمعية في صون التراث الشعبي المصري والعربي.
جاء الاحتفال بمناسبة مرور خمسة وعشرين عامًا على تأسيس الجمعية، التي مثّلت على مدار ربع قرن أحد أهم الصروح الثقافية المتخصصة في حفظ وتوثيق ودراسة التراث الثقافي المصري والعربي. وترتكز رسالة الجمعية منذ نشأتها على الإيمان بأن «ذاكرة الأمم تُحفظ بالعمل الأمين والانحياز الصادق لما يبقى»، وهو ما جعلها منصة أساسية للبحث والدراسة والمبادرات الثقافية الهادفة إلى حماية التراث من الاندثار.
قدمت الاحتفالية الإعلامية هبة حمزة الكلمة مشيرة إلى أن المناسبة لا تقتصر على استعادة مسيرة الجمعية، بل تمثل وقفة تقدير لدور رائد في توثيق التراث الشعبي وحمايته.
وأكدت أن التراث ليس ماضياً ساكناً، بل روح حية تعكس هوية الأمة وملامح وجدانها الجمعي، وتربط بين الأجيال عبر الحكايات والأغاني والعادات والفنون الشعبية، مشددة على أن الحفاظ على التراث يعزز الانتماء ويشكل مصدر إلهام للتنمية الثقافية والإبداعية.
قال الدكتور محمد أحمد مرسي إن الاحتفال جاء في أجواء عامرة بالمحبة والاعتزاز بالهوية، مؤكدًا أن المأثورات الشعبية ليست مجرد سرد للماضي، بل رافد حي يغذي الحاضر ويسهم في بناء المستقبل.
وأوضح أن الجمعية قامت بجمع وتوثيق ودراسة الموروث الشعبي المصري بكافة تجلياته، مع تقديمه للأجيال الجديدة بأسلوب علمي يحافظ على الأصالة ويواكب المتطلبات المعاصرة.
وأكد الدكتور محمد أحمد مرسي أن الجمعية قامت بإعداد العديد من الملفات الخاصة بالعناصر التراثية المسجلة في اليونسكو، مثل: النسيج اليدوي، والسيرة الهلالية، والتحطيب، كما ساهمت بشكل فعال في إعداد العديد من الملفات الأخرى التي تم تسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي.
وقال الدكتور أحمد بهي الدين العساسي، خمسة وعشرون عامًا من عمر صرحٍ أخلص لصون التراث الثقافي المصري والعربي، صرحٌ بُني على إيمان عميق بأن ذاكرة الأمم تُحفظ بالعمل الأمين، والانحياز الصادق لما يبقى".
وأضاف، لقد أسّسه جيل عظيم من الكبار، أخلصوا لوطنهم لأنهم كانوا يعرفون قدره وقدر ناسه؛ فكانوا يرون في التراث مصر: في الحكاية، والأغنية، والمأثور، وفي ما يعيشه الناس ويورثونه دون ادّعاء.
وأشاد الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، بالدور الكبير الذي قامت به الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، مؤكدًا أنها تمثل نموذجًا عربيًا متميزًا يُحتذى به في العمل الأهلي الثقافي.
وأضاف المسلم أن تجربتهم كانت مصدر إلهام لتأسيس جمعية التراث الثقافي الإماراتية، وأن الجمعية المصرية شكلت له تجربة تعليمية وشخصية على مدى أكثر من أربعين عامًا، خاصة في تسجيل عناصر التراث المصري لدى اليونسكو.
وأكد المنشد محمود التهامي أن الجمعية تمثل أحد الحصون الأساسية لحماية الفنون الشعبية والإنشاد الديني من الاندثار، وأن التراث يعكس روح المجتمع المصري وتاريخه الممتد عبر القرون. وأشار إلى أهمية تسجيل فن الإنشاد الديني ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو، لما يحمله من قيم روحية وإنسانية وجمالية كبيرة.
وقالت الدكتورة فاطمة مصطفى، الخبيرة في التراث الثقافي، إن "التراث الثقافي غير المادي ليس مجرد ممارسات عابرة، بل هو مخزون إنساني ثري يشمل الفنون والأعراف والحرف والتقاليد، ويشكل جزءًا أصيلًا من هوية المجتمعات.
وأضافت: "مصر خصصت اهتمامًا متزايدًا بالتراث الحي، من خلال مشاريع توثيق الفنون والحرف ودعم المجتمع المحلي، بمشاركة مؤسسات حكومية وجمعيات معتمدة لدى اليونسكو، لتعزيز الوعي وبناء القدرات."
وأكدت: "الجهود العربية المشتركة تعزز الحضور العربي دوليًا وتؤكد على الهوية المشتركة، بينما تركز اليونسكو على إشراك المجتمع وإدارة التراث بشكل مستدام وشامل، بما يشمل الفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة."
تضمنت الاحتفالية عرضًا لأهم عناصر التراث الشعبي المصري الذي قامت الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية في إعداد ملفها لتسجيلها في اليونسكو، حيث تم تقديم فقرة للأراجوز، الذي يعد أحد أقدم أشكال المسرح الشعبي في مصر، ويعتمد على شخصية دمية ساخرة تعبر بجرأة عن هموم الناس وقضاياهم اليومية، مستخدمة الفكاهة والنقد الاجتماعي. وأوضح مقدم الفقرة أن الأراجوز يمثل تراثًا غير مادي انتقل شفهياً وأدائيًا عبر الأجيال، ويحظى باعتراف دولي بوصفه أحد عناصر التراث الإنساني، ويظل حاضرًا كصوت شعبي صادق يعكس نبض الشارع المصري.
كما شهد الاحتفال فقرة مميزة حول السيرة الهلالية، إحدى أعظم الملاحم الشعبية في التراث العربي والمصري، والتي تروي بطولات قبيلة بني هلال، وما تحمله من قيم الشجاعة والكرم والوفاء. وأكدت الفقرة أن السيرة تمثل سجلاً شعريًا وتاريخيًا شعبيًا فريدًا، وأن الحفاظ عليها يحمي الذاكرة الشعبية ويعزز التجربة الفنية المتكاملة.
وشمل العرض أيضًا فن خيال الظل، الذي يعتمد على تحريك دمى مسطحة خلف شاشة مضيئة لتكوين مشاهد درامية، ويجمع بين الحكاية والحوار والموسيقى والأداء الصوتي. ويعد هذا الفن من أقدم الفنون المسرحية في التراث العربي، ويعكس خيال المجتمع الشعبي ووعيه الجمعي، ويعتبر شاهدًا حيًا على الإبداع الشعبي وقدرته على التعبير والتجدد.
وعرضت فرقة النيل للفنون الشعبية عروضها الراقصة والغنائية، والتي تعكس تنوع البيئة المصرية من الصعيد والدلتا إلى الواحات والسواحل. وأكدت عروض الفرقة دورها في نقل التراث الشعبي من ساحات الاحتفال المحلية إلى خشبات المسارح، ومشاركتها في مهرجانات محلية ودولية، مما يجسد رسالة الفن الشعبي كتعريف بالهوية الوطنية والتعبير عن التراث الحي.
شهدت الاحتفالية تكريم نخبة من القامات الثقافية والفكرية من بينهم الذين حصلوا على جوائز الدولة بعد ترشيحها من الجمعية، في تأكيد واضح لدور الجمعية ومسؤوليتها في اكتشاف ودعم الرموز الحقيقية للعطاء الثقافي، وقد ضمت هذه الكوكبة أسماء بارزة مثل: الدكتور جمال مصطفى السعيد، والدكتور أحمد مجدي حجازي، والدكتور عبد العزيز المسلم، والدكتورة فاطمة مصطفى، والشاعر أحمد الشهاوي، والفنان فتحي عفيفي، والمهندس شبل علي مرسي، والدكتورة سامية قدري، واللواء عمرو الخولي، والباحث عادل موسى، والدكتور أحمد سيد عزت، الذين ساهموا في صون التراث وتعميق الوعي الثقافي.

الاحتفال باليوبيل الفضى للجمعية المصرية للمأثورات الشعبية

جانب من احتفال الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية

خلال احتفالية الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية