كانت معركة "القليوبي الكبرى قد بدأت قبل إقالته من المركز القومي للسينما وإن كنت لا أظن إن تلك المعركة كانت السبب الرئيسي لخلعه المهين من مكان كان يليق به بجدارة واستحقاق.
كانت بعض الشركات في المملكة العربية السعودية قد أنشأت بغرض إنتاج وعرض الأعمال الفنية المختلفة في ظل موجة من الانفتاح على الثقافة والفنون بعد عقود من سيطرة جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مقدرات الحياة الاجتماعية في المنطقة (وهذا الزمن الذي كان فيه أهم رجل دين بالمملكة يكفر من يقول بـ (كروية الأرض) لأن الأرض مستوية كما فهم هو من دراسته العميقة للقرآن الكريم).
ولما كانت مصر هي المنتجة الرئيسية لأغلب مظاهر الفن والثقافة في المنطقة بامتلاكها لعدد كبير من أشرطة السينما والتليفزيون والمسرح طبعا بالإضافة إلى الكتب والموسيقى فقد انتبه أصحاب هذه الشركات إلى ضرورة الحصول على أصول هذه المواد بدلا من (تأجيرها) من أصحابها الذين أصبحوا في الواقع ورثة لجيل منتج ورائد.
ورثة يمتلكون بحكم القانون "نيجاتيف" الأفلام التي أنتجوها يشتري منهم التليفزيون الحكومي حق عرض بعضها بثمن بخس ودون أي التفات إلى أن استهلاك هذه الأصول (السالبة) دون محاولة إصلاح عيوب التقادم يؤدي في النهاية إلى هلاكها وبالتالي انهيار (رأس المال) الذي تمثله هذه الشرائط لأصحابها وورثتهم الذين كانوا في معظمهم لا يعملون في مجال السينما ولا الفن عموما.
هنا ظهرت وبعقلية التاجر الشاطر - فكرة شراء هذه الأصول "النيجاتيف" وإصلاح عيوبها تمهيدا لعرضها والاستفادة بشكل لا نهائي بكافة أشكال استغلالها طبقا لعقود تمت – بهدوء ودأب – مع أصحاب هذه الأصول.ِ
ولما كان الورثة يائسين تماما من أي موقف من وزارة الثقافة أو الأعلام في الدولة المصرية، ولما كان المعروض -رغم ضآلته وعدم تناسبه مع قيمة العمل الفني – مغريا لشخص يضع الشريط تحت السرير في علب صدئة وفي ظروف مناخية لا تسمح بأي صيانة بحيث يصبح مصيرها الحتمي هو التفتت والضياع التام... بدأت حملة تنافست فيها شركتان سعوديتان في شراء نيجاتيف الأفلام المصرية .
كان الدفع الفوري نقدا مع عدم الاعتراض من أي جهة رسمية والسرعة التي احاطت العملية في بدايتها هوما فوجئ به الوسط الثقافي المصري ... مئات بل الاف من الأفلام المصرية انتقلت ملكية أصولها السالبة إلى دولة أخرى في ظرف شهور قليلة مما شكل صدمة كبرى للفنانين والمثقفين المصريين.
كان القليوبي ... رئيس للمركز القومي للسينمائي في هذا الوقت – في طليعة من تصدوا لهذه الحملة وتمكن مع عدد من الفنانين والنقاد والمثقفين من صياغة مشروع أسماه "مشروع قانون لحماية التراث السينمائي).
فكان هذا الخبر المنشور في جريدة الأحرار بتاريخ 15يناير 2001 : "أعلن الدكتور محمد القليوبي رئيس المركز القومي للسينما أنه سيتم خلال الأيام القليلة القادمة احالة مشروع قانون جديد لحماية السينما المصرية مشيرا ِإلى موافقة مجلس الوزراء عليه مؤخرا ،أعلن ذلك أمام لجنة الثقافة والسياحة والإعلام (ثلاثة فروع في لجنة واحدة!!) أمس برئاسة الدكتور عبد السلام عبد الغفار!!.. تضمن مشروع القانون الجديد إعداد نيجاتيف بديل من جميع الأفلام المصرية وتحويل الأرشيف القومي للسينما إلى أرشيف نيجاتيف للحفاظ على تراث مصر الثقافي وتجريم عمليات سرقة الأفلام المصرية باعتبارها حقا لكل المواطنين ويتضمن المشروع تجريم أي محاولة لتهريب الفيلم المصري للخارج والحكم بالمصادرة والغرامة والحبس لتدمير أي نيجاتيف.
وأكد القليوبي أن هذا المشروع يهدف إلى حماية التراث السينمائي المصري ضد أعمال القرصنة والسرقة والتهريب التي تعرضت لها السينما المصرية على المدى الطويل وقال أن ما يحدث من سرقة جريمة في حق مصر وشعبها وفنانيها."
هكذا بدأت المعركة التي أرى أن القليوبي – الذي كان مؤمنا بإمكانية أن تصدقه قيادات الدولة المصرية – قد فتح النار على أكثر من جبهة ولم يراع - رغم خلفيته السياسية العميقة – أبعاد الموقف من نواح متعددة أخرى.
وهذا موضوع المقال القادم