في وسط الحياة اليومية المزدحمة، يجد الكثير من الآباء أنفسهم أمام خيار يبدو سهلاً وسريعًا وهو العقاب، عندما يصرّ الطفل على شيء، يتصرف بعناد، أو يظهر سلوكًا غير مرغوب فيه، فما الحل؟ غالبًا ما يكون العقاب هو الجواب، لكن السؤال الأهم هنا: هل نحن نعاقب الطفل لأنه يستحق ذلك حقًا، أم لأننا لم نمنحه الوقت الكافي لنفهمه؟
أطفالنا ليسوا مجرد أبناء تحتاج لتوجيه وتعليم، ولكن يجب أيضا الاهتمام بالمشاعر والأفكار والتركيز فى تصرفاتهم، حتى السلبية منها، لأنها غالبًا ما تحمل رسائل خفية: شعور بالغيرة، خوف، أو رغبة في لفت الانتباه.. العقاب السريع قد يوقف السلوك مؤقتًا، لكنه لا يصل إلى جوهر المشكلة.
الاستماع للطفل وفهمه قبل اتخاذ أي قرار عقابي يقلل من المشكلات السلوكية بشكل كبير، ويعزز شعوره بالأمان والثقة بنفسه، الطفل الذي يُفهم يشعر بأنه مهم ومقدّر، ويتعلم التعبير عن مشاعره بطريقة صحية بدلاً من تراكمها لتخرج بشكل سلبي لاحقًا.
الضغط اليومي، الانشغال بالعمل، الواجبات المنزلية، والشاشات الرقمية، كلها عوامل تجعل الطفل يشعر بأنه غير مفهوم، وأن جهوده أو مشاعره لا تحظى بالاهتمام والنتيجة سلوكيات سريعة تستدعي العقاب بدلًا من الحوار.
حتى 10 دقائق يوميًا من التواصل الحقيقي مع الطفل تحدث فرقًا كبيرًا. الحديث عن يومه، مشاعره، وأفكاره بدون مقاطعة أو حكم، يعطي الطفل مساحة ليشعر بالاستماع والاهتمام، قبل أن تتحول مشاعره لسلوك سلبي.
العقاب أداة للتوجيه والحماية، لكنه يصبح ضارًا حين يُستخدم كبديل عن الفهم. الطفل الذي يُعاقب دون تفسير أو دون فرصة للتعبير عن نفسه يشعر بالظلم، وقد يكرر السلوك السلبي كوسيلة للحصول على الانتباه أو ليثبت وجوده.
العقاب يوفر راحة مؤقتة، لكنه لا يعالج السبب الحقيقي للسلوك. فهم الطفل والاستثمار في الوقت معه، حتى لو دقائق قليلة يوميًا، يبني الثقة والتواصل ويقلل الحاجة للعقاب لاحقًا.
إذن، السؤال الحقيقي ليس هل نعاقبه، بل هل نحن مستعدون لنفهمه قبل أن نقرر أي تصرف؟ فالاستماع والصبر قد يكونان أفضل أدوات التربية وأكثرها تأثيرًا.