جولات وتحركات رئيس الوزراء، والوزراء، فى قرى «حياة كريمة» وتصريحاته الأخيرة، نتمنى أن تكون ضمن سياسة مستمرة ومتواصلة، وألا تكون مرتبطة بموسم الانتخابات والتغيير المتوقع، وأن تكون ضمن عملية تعرف على الناس والشارع، ثم إن التصريحات التى يدلى بها رئيس الوزراء تتعلق بإعلان وعود وإجراءات تخص المواطنين وضبط الأسواق ووقف أى إجراءات من شأنها أن تؤثر على حياة الناس ومعيشتهم، هذا ما أعلنه رئيس الوزراء خلال مؤتمره الأخير، حيث قدم وعودا فى كل الاتجاهات، ووعد بعدم فرض أعباء جديدة على المواطنين، وأن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى لا يتضمن أى رفع للأسعار أو تغييرات فى الوقود.
لكن أكثر تصريح أثار الكثير من التكهنات بين المحللين والشارع، هو ما يتعلق بالدين العام الخارجى والداخلى، وخفضه، حيث قال الدكتور مدبولى إن ملف الدين العام مهم جدا، ونسعى إلى عدم تحميل المواطن أى أعباء، وأن الدين أصبح يمثل 84% من الناتج المحلى، وسنعمل على تقليص حجم الدين لنسبة لم تصلها الدولة منذ 50 عاما، هذا التصريح أثار تكهنات وتحليلات، بعضها يفرط فى التفاؤل، وبدأت عمليات البحث عن المجالات التى ينتظر أن تكون هى المصدر لخفض الدين، خاصة أن هناك تقارير وتحليلات تنشر التشاؤم، وتبالغ فى تقديم أرقام وتوقعات خطرة، ويبدو أن تصريحات مدبولى جاءت بشكل غير مباشر، ردا على بعض المقالات والتقارير والتصريحات التى أصدرها اقتصاديون، تحمل مخاوف وتحذيرات من تضخم الدين، وأن خدمات الدين تتجاوز الموازنة، رئيس الوزراء قدم وعدا بخفض الدين، وبشكل لم يحدث من السبعينيات، وهو أمر لا شك يمثل خطوة مهمة، وإنجازا، بشرط أن يكون حقيقيا وليس ضمن الوعود النظرية للحكومة، والتى سبق وأعلنها الدكتور مدبولى، ومنها أن عام 2023 سوف يشهد اكتفاء مصر من المنتجات البترولية، أو غير ذلك من وعود لم تجد طريقها للتحقق.
الواقع أن تصريح الدكتور مدبولى بخفض الدين لا شك - حال كان حقيقيا - سوف ينعكس على حالة الاقتصاد ومعيشة الناس ومستوى حياتهم، لكن التساؤل دائما يتعلق بما إذا كان من الممكن للحكومة أن تخفى سياسات وتقوم بحل أزمة الديون فجأة بينما كل تحركاتها السابقة تجرى أمام العين، خاصة فى ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والنقدية؟ وربما على الحكومة أن توضح هذه الوعود حتى لا تترك الأمر للتكهنات، وأيضا حتى لا تعطى أملا للمواطنين على غير الحقيقة، وهم يعرفون الحكومة تماما ويرون كيفية تعاملاتها مع الاستثمارات والاقتصاد.
ومن يتابع التحركات والسياسات والقرارات، يعرف أنه فى مجالات الديون والاقتصاد والإدارة، لا تولد الحلول فجأة من داخل الفراغ، ولا بمعجزات، لكنها تأتى بناء على تراكمات وخطوات علمية واضحة، ومن هنا يأتى النظر لتصريحات رئيس الوزراء مع تمنى أن تكون بالفعل قفزة نوعية وخبرا حقيقيا ينعكس على حياة الناس ومستوى معيشتهم، وألا يكون مجرد نقل عبء من باب إلى آخر مثلما حدث من قبل.
وربما يكون الأهم هو وجود سياسات تنعكس إيجابا، وتساهم فى ضبط الأسواق وخفض التضخم وإعادة النظر فى السياسات المتعلقة، بمعالجة الملفات المهمة، وعلى رأسها الإسكان والصناعة والصحة، والتعليم، وهى ملفات يكون الإنجاز فيها واضحا، والرضا الجماهيرى أو عدم الرضا ظاهرا، من خلال أدوات فى متناول المسؤول تمكنه من قياس رد الفعل مباشرة.
وسبق أن أكدنا وجود طرق متعددة يمكن أن تعرف بها الحكومة مدى رضا المواطنين ومطالبهم وشكاواهم التى تتعلق بحياتهم اليومية ومستويات معيشتهم، وقلنا إن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو الأكثر قدرة على التعرف إلى مطالب الناس ومشاعرهم، وأن الحكومة يمكنها التعرف على مطالب الناس، ومدى رضاهم، من متابعة ورصد مواقع التواصل، وتقارير مراكز المعلومات التابعة لها والمحافظات وأيضا من منظومة الشكاوى الحكومية التى يفترض ان تكون مؤشرا مهما على مطالب الناس.
وهناك بالفعل بعض التداخل فى تصريحات تتعلق بحل أزمة أعباء الدين وبين تصريحات وزير المالية عن نجاح الاتفاق مع الصندوق من دون أى ذكر لخفض الدين، ثم إن رئيس الوزراء يكرر وعوده بألا يتم تحميل المواطن أعباء جديدة، وأن الرئيس يوجّه الحكومة لتحسين حياة المواطنين، وبالتالى نأمل أن تكون وعود رئيس الوزراء فى ما يتعلق بالدين قابلة للتنفيذ وعملية، وأن يظهر هذا فى مستوى المعيشة، وقد قال رئيس الحكومة أن مصر خلال 11 عاما قطعت شوطا فى التنمية وهو أمر مهم وحقيقى، وأغلبه من خلال برامج عاجلة أعلنها الرئيس السيسى وتحمل العبء الأكبر منها حكومة الدكتور شريف إسماعيل، بجانب مبادرات الرئيس فى نقل العشوائيات وإنهاء فيروس الكبد الوبائى ومبادرات 100 مليون صحة وإنهاء قوائم انتظار العمليات المهمة، بينما كان على الحكومة أن تنجز المرحلة الثانية وتبدأ فى الثالثة من منظومة التأمين الصحى الشامل، وتنهى أزمات الصحة والعلاج بشكل يضاعف الخدمة ولا يعتمد على تدخلات وقرارات وزارية، ونفس الأمر فى ملفات الإسكان وغيرها.
الشاهد أن أى خطوة إيجابية فى الاقتصاد سوف تمثل بالفعل إنجازا ينعكس على حياة المواطنين والذين ينتظرون جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى، وألا تكون جولات وتصريحات الحكومة مرتبطة بموسم سياسى، بشكل يجعلها أكبر من الوعود.
