أكرم القصاص

الكاميرا فى العزاء والمناسبات.. الجريمة والحد الفاصل بين الخاص والعام

الخميس، 25 ديسمبر 2025 10:00 ص


ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، التى تصبح الكاميرا فاعلا فى الأحداث، وتتسبب فى مشكلات وقضايا، وتعيد الجدل حول الخيط الفاصل بين العمومية والخصوصية، ونعود فى كل مرة إلى الجدل كأننا نكتشف الأمر من جديد، كم مرة ناقش الإعلاميون والصحفيون ونقابتهم والمجلس الأعلى، مواثيق شرف التعامل من قبل المصورين والصحفيين أثناء المآتم والأفراح أو أى من الاحتفالات العامة، وغياب الحد الفاصل بين العام والخاص ضمن حالة تجاوزت المرض إلى عدوى تتكاثر وتنتشر؟


مشهد الفنان أحمد الفيشاوى فى عزاء والدته الفنانة الراحلة سمية الألفى، وجد فى وجهه كاميرا موبايل فى لحظة حزن، التقط أحمد الموبايل وبدا غاضبا لاختراق خصوصيته، بل إنه قام من مكانه وطلب من المصورين التزام الصف والتعامل بهدوء، لم يخطئ أحمد ولا غيره ممن انتابهم الغضب تجاه حالة العدوان على الخصوصية، وتكرر الأمر بشكل آخر مع النجمة ريهام عبدالغفور التى كتبت تويتة غاضبة تنتقد مصورا التقط لها صورة بافتتاح فيلم بشكل لا يليق ويمثل بالفعل تربصا وفقدان الوعى، خاصة أن هذا الشخص نشر الصورة على صفحات مواقع تبحث عن التريند وبعضها يسىء التعبير ويمارس التنمر والعدوان ومحاولة تصوير الفنانين على غير الواقع.


والمفارقة أن معلقين أو معلقات برروا التصوير أنه فى مكان عام،  وهو تبرير للتربص، وهناك شهادات بأن مصور الفيديو كان متربصا لالتقاط صورة  للتريند وللصفحات الصفراء، مثل كثيرين من الباباراتزى الرخيص وهو ما يعد عدوانا على الخصوصية، ولا علاقة  له بالفن، وإنما بالبحث عن مشاهدات بالباطل، مع الأخذ فى الاعتبار أن التلصص أصبح إحدى مفردات التعامل مع الكاميرات، لدى البعض وليس الكل، وبالتالى فإنه من الصعب ضمان النتائج إذا كان الفعل يدور خارج حدود المنازل، وقد تكون هناك مطالب بتجريم الفعل ومعاقبة مرتكبه، لكن هذا لا يكفى فى ظل وجود تنوع فى الآراء والقيم الحاكمة لكل فريق.


وحتى لا نكون خارج الصورة منذ دخلت الكاميرا على الموبايل تغيرت الكثير من المفاهيم حول الخاص والعام، ومساحة الحرية المتاحة للفرد ما دام خارج حدود منزله، وحتى داخل المساحة المكشوفة من المنزل، وما زلنا نتذكر ما جرى فى أفراح واحتفالات ورحلات من التقاط لحظات خاصة أو تصرفات عفوية وتحويلها إلى تريندات تضر بأصحابها، مثل مدرسة التقط لها أحدهم فيديو فى رحلة، ما حوّلها إلى تريند وأضر بحياتها العائلية، وغيرها من الأحداث.


ونذكر بواقعة السيدة الأجنبية التى التقط لها أحدهم فيديو وهى فى بلكونة منزلها، ونشر الفيديو بزعم الدفاع عن القيم، بينما هو يعتدى على خصوصيتها، وارتكب جريمة بالتصوير والنشر ووجد من يدافع عن هذا الفعل، وأيضا فيديو لسيدات فى نادٍ كبير، أثناء تداول أشكال لألعاب وتورتات، وظهرت فكرة من يقف وراء النشر بينما الصور والفيديو وضعها بعض المشاركين على جروب خاص، وهى أحداث أثارت ردود أفعال متناقضة ومتنوعة، مع الأخذ فى الاعتبار أننا فى مجتمع متنوع ولسنا فى مجتمع من الملائكة ولا الشياطين، لكن بشرا مختلفين فى غرائزهم وعقدهم وتوجهاتهم ومدى تفهم كل منهم للخصوصية، وهو ما يفترض أن يوضع فى سياقات قانونية وتشريعية وأيضا توعية بمعانى الخصوصية والعمومية، لأن من يدافع الآن قد يكون ضحية غدا، وداخل النقاش، هناك من ينطلق من زاوية أخلاقية أو دينية، أو عقلية أو طبقية، وكلها تفاصيل موجودة نراها كل يوم، وتظهر أكثر من مثل هذه الأحداث أو مع غيرها، حيث يميل كثيرون للتبسيط، بينما التفاصيل والتقاطعات معقدة ومتشابكة، ومن السهل على كل طرف أن يصدر حكما، ويرى أنه حسم القضية، بينما التفاصيل أكثر تعقيدا.


القضية هى سقوط الحواجز بين الخاص والعام، وهذا ليست له علاقة بإدانة فعل التصوير والنشر لمناسبات خاصة، وإنما يكشف عن غياب الحواجز والمواثيق، وعندما يقع هذا من قبل مصورين أو صحفيين هنا يبدو الأمر خطرا ومدانا، وبالفعل رأينا بيانات إدانة من قبل نقابة الصحفيين والعودة للتذكير بميثاق شرف واتفاق سبق إبرامه لم يلتزم به زملاء فى الجنازات والعزاءات، الأمر الذى يبدو أنه بحاجة لما هو أكثر من البيانات إلى إعادة تفعيل أدوات أفضل وأكثر عملية أهمها احترام قرارات أهالى المتوفى وأصحاب العزاء لرفض التصوير، وفى حالة الموافقة أن يلتزم الزملاء بخصوصية يضعها أصحاب العزاء، وإن كان الأفضل منع هذه السلوكيات والتصوير، وفى حالة رغبة أهل العزاء أن يتفقوا مع مصور خاص يلتقط الصور ليوزعوها فى حال أرادوا النشر.


ونؤكد أن العيب ليس فى الكاميرا، وإنما فى من يسيئون استعمالها، الكاميرات مطلوبة فى الشوارع والميادين، لضبط المرور وتوثيق الأحداث، وقد تسهم فى عمل صحفى أو إنسانى وضبط مجرم، بشرط تحديد الخيط الفاصل بين العام والخاص، بالنقاش والتشريع والحوار والتوعية، حتى لا نظل ندور فى المكان.

 


 

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة