صبرى غانم

الإسماعيلية عاصمة للثقافة والفنون.. قرار يسبقه تاريخ ويؤكده وعى

الأربعاء، 24 ديسمبر 2025 12:00 ص


لم يأتِ إعلان الإسماعيلية عاصمةً للثقافة والفنون كقرار مفاجئ أو لقبٍ شرفي عابر، بل جاء تتويجًا لمسار طويل من الحضور الثقافي والفني الذي شكّل وجدان المدينة عبر عقود، فالإسماعيلية لم تنتظر الإعلان لتصنع مكانتها، لأن الثقافة كانت دائمًا جزءًا أصيلًا من هويتها وروحها.

هذا الإعلان، الذي أطلقه اللواء أكرم محمد جلال، محافظ الإسماعيلية، يعكس رؤية واعية تدرك أن التنمية الحقيقية لا تقتصر على المشروعات والبنية التحتية، بل تقوم في جوهرها على بناء الإنسان، وترسيخ الوعي، ودعم القوة الناعمة بوصفها أحد أعمدة الدولة الحديثة.

ونشأت الإسماعيلية كمدينة مفتوحة على العالم، وملتقى للثقافات بحكم موقعها الفريد على ضفاف قناة السويس. ومن هذا التعدد الإنساني تشكّلت شخصيتها الفنية والثقافية، لتصبح مدينة قادرة على استيعاب الاختلاف وتحويله إلى إبداع، وعلى الجمع بين الأصالة والانفتاح دون تناقض.

لم تكن الثقافة في الإسماعيلية يومًا ترفًا، بل ممارسة يومية تظهر في الشارع، وفي الميادين، وفي الفنون الشعبية التي حافظت على التراث وقدّمته بروح معاصرة، لتظل المدينة حاضنة للفن بمختلف أشكاله.

منذ تولّي اللواء أكرم جلال مسؤولية المحافظة، حظيت الثقافة والفنون باهتمام واضح، تُرجم إلى دعم وإقامة العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية التي أعادت للإسماعيلية بريقها الثقافي، ورسّخت مكانتها كمدينة للفن والتنوّع.

ويأتي مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية في مقدمة هذه الفعاليات، حيث تحوّل، بدعم مباشر من محافظ الإسماعيلية، إلى منصة دولية للحوار الثقافي بين الشعوب، ورسالة مصرية تؤكد أن الهوية لا تُحفظ في الكتب فقط، بل تُقدَّم حيّة، نابضة، وقادرة على التواصل مع العالم.

هذا المهرجان لم يكن مجرد عروض فنية، بل تجسيد عملي لقناعة بأن الفن الشعبي لغة إنسانية مشتركة، وأداة فعّالة لتعزيز الانتماء، ومدّ جسور التواصل بين الثقافات.

ولم تنفصل الإسماعيلية يومًا عن القضايا الوطنية، وكانت الثقافة والفنون دائمًا وسيلة للتعبير عن نبض الشارع وهموم الناس. وقد خرج من هذه المدينة مبدعون حملوا صوت البسطاء، وشاركوا في معارك الوعي، وساهموا في تشكيل الوجدان الوطني في لحظات تاريخية فارقة.

ومن هنا، يتكامل إعلان الإسماعيلية عاصمةً للثقافة والفنون مع رؤية الدولة التي تُعيد الاعتبار للقوة الناعمة، وتضع الثقافة في موقعها الطبيعي كركيزة أساسية لبناء الإنسان، جنبًا إلى جنب مع مسارات التنمية الاقتصادية والعمرانية.

ويبقى التحدي الحقيقي فيما بعد الإعلان، فالألقاب مسؤوليات قبل أن تكون تكريمًا. والمطلوب اليوم هو تحويل هذا التتويج إلى مسار مستدام، يضمن استمرار دعم المبدعين، وتوسيع قاعدة المشاركة الثقافية، والوصول بالفنون إلى القرى والنجوع، وربط الأجيال الجديدة بالثقافة باعتبارها مساحة للوعي والتعبير والانتماء.

الإسماعيلية، وهي تُتوَّج عاصمةً للثقافة والفنون، لا تبدأ من الصفر، بل تبني على تاريخٍ عريق، ورؤيةٍ واعية، وفرصةٍ حقيقية لتقديم نموذج لمدينة تؤمن بأن الفن ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية، وأن الثقافة هي الطريق الأصدق لبناء مجتمع أكثر وعيًا وإنسانية.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة